February 1, 1983

مشروع القانون الجديد المقترح للعلاج النهائي لمشكلة الشيكات الآجلة يمتاز بشموليته التشريعية واحتفاظه بقدسية العقود، واعترافه بأن الأزمة التي تواجه البلاد لا يمكن حلها عن طريق القانون العادي الذي وُضع لعلاج ظروف عادية، ومن شأن هذا القانون أن يسدل الستار نهائياً على قضية هزت كيان المجتمع وزلزلته من أساسه، وكادت تقود إلى انهيارات لا حدود لها، والقضاء على المشكلة آنياً ومالياً لا يعني اختفاء آثارها النفسية والاقتصادية بعيدة المدى، فسوف تظل الكويت تعيش في مخلفات هذه الأزمة سنين طويلة مثلما عاشت لبنان مضاعفات ومخلفات أزمة بنك “إنترا”.

ولا شك أن جهوداً جبارة قد بُذلت في إخراج مشروع القانون الجديد هذا؛ إذ إن القراءة المتمعنة لنصوصه ولمذكرته التفسيرية تكشف عن عمق في الفهم والتفكير في الأوساط الحكومية المختصة، وخاصة القانونية؛ حيث إنها قادت السفينة بمهارة فائقة في وسط الخضم المتضارب من النصوص القانونية التي يحفل بها قانون التجارة الكويتي.

وخلصت إلى اقتراح عملي يعالج مؤقتاً هذا الوضع الاستثنائي وبالطريقة العملية التي يسمح بها القانون الأنجلوسكسوني ولا يتيحها القانون الفرنسي الذي نستقي تشريعاتنا التجارية منه.. وخاصة في موضوع الإفلاس.

ومن أهم ميزات مشروع القانون المقترح أنه جاء كنتيجة للتجربة التي مرت بها البلاد خلال الشهور القليلة الماضية، وعكس خلاصة الاستنتاجات المكتسبة من مراقبة تطور الأزمة وما رافقها من اقتراحات وحلول، كما أن واضعي نصوصه مارسوا واجبهم الديمقراطي في التشاور المسبق مع أقطاب السلطة التشريعية.

ويرى الكاتب أن من أهم واجبات مجلس الأمة الآن أن يسرع في إقرار هذا المشروع ويعطيه صفة الاستعجال؛ ذلك أن سمعة البلاد ومؤسساتها ورجالها وصلت إلى الشفير، وأصبحت بالفعل مهددة، وكل من يمارس التجارة وهي العمل الأساسي للكويتيين يشعر بذلك، ولن ينقذ سمعة البلاد إلا إقرار هذا المشروع سريعاً بعد إدخال ما يرى مجلس الأمة عليه من تعديلات دون المساس بجوهره.

وربما رأى الأعضاء المحترمون أن يضعوا حداً لانتهاء أجل الشيكات في نهاية عام 1982 بدلاً من عام 1983م، كما أن من الضروري تحديد طبيعة السندات وعدم ترك الأمر مائعاً وقابلاً للتفسير المبهم.. والتحديد، يجب أن يذكر أن السندات هذه قابلة للخصم وإلا فسيكون مآلها إلى تنقيعها وشرب مائها كما هو في الأمثال الكويتية! أما ما عدا ذلك فلقد تم صياغة المواد المقترحة فيه صياغة دقيقة أخذت بعين الاعتبار طبيعة الأزمة، وعدم الإخلال بالقوانين الأساسية التي تحكم سير الحياة العادية في البلاد.

وحكاية عطلة الربيع هذه إنما هي ترف لا تستطيع البلاد في مثل هذه الظروف أن تتمتع به، ولنترك عطلة الربيع لطلاب المدارس والمدرسين؛ إذ لا يجوز إطلاقاً أن تتوقف الحياة العامة في البلاد وهي تمر في أزمة طاحنة إلى أن يستمتع بعض الناس بحياة الصحراء التي اندثرت أو الخيام التي فقدت سحرها القديم، وواجب مجلس الأمة أن يرتفع إلى مستوى المسؤولية ويعطي هذا الموضوع صفة الاستعجال.

ولقد اطلع الكاتب على ما نشرته مجلة “بوروموني” EUROMONEY في شهر يناير 1983م، وهي نفس المجلة التي نشرت البحث الشهير في يونيو 1982م في عشرين صفحة عن الكويت وعن وزير المالية، وتقول المجلة في عددها الأخير شامتة:

إنها تنبأت بما حدث قبل حدوثه بأشهر، وإن كلامها قوبل بالسخرية من قبل الكويتيين على مختلف مشاربهم واتجاهاتهم، وإن ردود فعلهم كان يشوبها التكبر وازدراء آراء الغير، والاعتقاد بأن سوق الكويت لها ميزات فريدة، وأنها تختلف عن غيرها من الأسواق، وأن الكويتيين صنف آخر من البشر، وتختم المجلة مقالها برد السخرية التي جوبه بها رأيها رد السخرية إلى الكويت والكويتيين، متنبئة لهم بأزمة مريرة وطويلة.

أما الرد الكويتي الحاسم فهو في إقرار مشروع القانون المقترح من مجلس الأمة وبأسرع وقت ممكن؛ حتى تعود البلاد لالتقاط أنفاسها وبناء هيكلها المالي مرة أخرى على أسس راسخة ومتينة، ولا شك أن الكويتيين والمقيمين الذين يشاركونهم أعمالهم وتجارتهم وانغمسوا معهم في مشكلاتهم سيخرجون من هذه الأزمة وقد صقلتهم الأحداث وعركتهم التجارب؛ فاشتد عودهم وتعمقت خبرتهم؛ مما سيجعل لهم بأساً أشد، ومكانة أكبر، والمهم الإسراع في حسم الأمر وعدم إضاعة الوقت، فليس هناك ربيع في مثل هذه الظروف، ولكن الربيع سيكون يانعاً ونسميه عليلاً إذا أقر المجلس مشروع القانون.

Comments are closed.