September 29, 1983

حزب الأحرار هذا موجود في كل مكان، وهو لا يعني أي حزب معين في بلد معين؛ لأن أعضاءه منتشرون في أنحاء العالم ويمكن التعرف عليهم في كل زمان.

وقد صدر أخيراً كتاب هو عبارة عن المذكرات اليومية لآخر سفير للشاه في لندن، وهو يروي من لندن كأحد الإيرانيين الذين اعتبروا أنفسهم من الموالين للشاه ونظام الحكم الملكي في إيران، كيف كان يرى السنتين الأخيرتين من حكم الشاه في إيران، والسفير الإيراني المذكور كان من القلائل الذين حاولوا الإصلاح من الداخل ومن منطلق الموالاة للنظام وخوفاً عليه من تصرفاته (حسب ما يقول في مذكراته)، ووصف بعض المواقف التي واجهها أثناء مقابلاته مع الشاه والحرج الذي كان يجد نفسه فيه حين يحاول أن يشرح للشاه أن الحملة التي تشنها الصحافة الغربية المتحررة ضد نظام حكم الشاه ومعاملته للمساجين وانتهاك حقوق الإنسان في إيران لا يمكن الرد عليها بالبيانات الرسمية الصادرة من الحكومة في طهران.. وإنما الرد عليها هو في إثبات عدم صحتها، والكتاب ممتع في قراءته، ويكشف الوضع اليائس لأمثال هؤلاء الذين ينتمون لحزب الأحرار.

ويقول السفير السابق في تعليقه على حكومة شاهبور بختيار التي تشكلت في الأسابيع الأخيرة من حكم الشاه، وأطاحت بها الثورة وقدوم آية الله الخميني، يقول السفير السابق: إنه كان من الممكن الحفاظ على الملكية وحتى إنقاذ حكم الشاه نفسه لو أن الفرصة أتيحت لبختيار قبل سنتين من سقوط الشاه، ويمضي السفير فيقول: ولكن هذا كان مستحيلاً؛ إذ إن بخيار – وهو من حزب الدكتور مصدق – كان يعتبر في نظر الشاه عدواً أخطر من الأعداء التقليديين للشاه، فبختيار لم يكن ضد الملكية ولكنه كان ضد الملكية المطلقة المستبدة.

ومن سخريات القدر أن دور أعضاء حزب الأحرار هذا يأتي دائماً بعد فوات الأوان، وبعد أن يكون الخرق قد اتسع بحيث لا يصلح علاجاً له أي حل وسط يمثله هؤلاء.. ومن الأمثلة الواضحة على أعضاء حزب الأحرار حكومة كيرينسكي التي حكمت روسيا بعد الإطاحة بحكم القياصرة وإلغاء الملكية، ولم يستمر بها الأجل أكثر من بضعة أشهر وأطاحت بها الثورة الشيوعية، وقد قال الكثيرون من المحللين السياسيين فيما بعد: لو أن القيصر نقولا الثاني كلف كيرينسكي بتشكيل الحكومة قبل ذلك بعدة أعوام لاستطاع إنقاذ الملكية وما أكثر اللو… التي كانت ستغير مجرى التاريخ!

ومشكلة أعضاء حزب الأحرار هؤلاء هي أنهم من أهل النظام، ومن الموالين له من حيث المبدأ، ولكنهم يختلفون معه في مفهوم الإصلاح والتطور؛ ولهذا فإن انتقاده يكون أكثر حدة لأنه انتقاد العارف، ولأن أهل النظام لا يستطيعون تجاهل الانتقاد باعتبار أن صاحبه ليس من المعارضين الذين يهدفون إلى إسقاط النظام أو يتلقون تعليمات من الخارج، فهذه الصفات لا تنطبق على أعضاء حزب الأحرار؛ حيث إنهم يهدفون أساساً إلى تدعيم النظام وحمايته مما يبدو لهم من مخاطر تهدده، وقد لا يراها أو يعيها أهل النظام نفسه بحكم كونهم يحتلون مراكز القيادة، وقد تكون المخاطر بسبب تصرفات أهل النظام أنفسهم أو بسبب عدم تصرفهم وسكوتهم في وقت لا ينفع فيه السكوت.

وأعضاء حزب الأحرار هؤلاء يتمتعون من ناحية بكره أصحاب النظام، ومن ناحية أخرى، فإن المعارضة الأساسية للنظام تعتبر هؤلاء الناس من المحسوبين على النظام ومن أتباعه ومبرري تصرفاته.

فهم إذن خاسرون من الجهتين، ولهذا نجد أن الثورات حين تقوم فإنها تبدأ بالقضاء على أعضاء حزب الأحرار؛ لأنهم يشكلون بديلاً معقولاً للعنف الثوري، وقبل قيام الثورات فإن أصحاب النظام يضطهدون أعضاء حزب الأحرار لأنهم كذلك يشكلون بديلاً معقولاً لشطط النظام وطغيانه.

ولهذا نادراً ما يصل هؤلاء إلى السلطة، ويبقى صوتهم مثل صوت المؤذن في خرابة.

ولكنهم يواصلون الصراخ وهم أعرف الناس بحتمية مصيرهم وبأنهم لن ينجحوا في تأجيل الانفجار.

Comments are closed.