من أهم معامل الحل الذي طرحته غرفة التجارة والصناعة ضرورة إيجاد جسر تمويلي يتم عن طريقة فك حالات الإعسار التي يتعرض لها الكثيرون الآن بسبب إشراف مدينيهم على الإفلاس، وبسبب تأثير جو الأزمة على أسعار الموجودات والممتلكات بشكل عام؛ الأمر الذي أدى إلى انخفاضها بنسب كبيرة، وفي حالة الأسهم الخليجية؛ فإن الانخفاض قد وصل إلى القاع، وأصبحت أسعار الأسهم الخليجية مقاربة للأسعار الاسمية للأسهم، ولا شك أن في هذا عدالة إلهية، فارتفاع الأسهم في السابق لم يكن له أساس ولم يُبنَ على قاعدة متينة؛ ولهذا عادت الأمور الآن إلى وضعها الطبيعي.
إلا أن البيان الذي صدر من شركتي الاستثمار الحكومتين أعلن عن استعدادهما – نيابة عن الحكومة بالطبع – لقبول الرهن في الأسهم الكويتية وفي العقار فقط.
والتساؤل الذي لا بد من طرحه الآن هو:
لماذا استبعدت الأسهم الخليجية من الرهن؟
ما موقف لجنة التحكيم حيث تطلب من الأشخاص الماثلين أمامها تقديم مركز مالي خاص بهم؟ هل ترفض قبول الأسهم الخليجية كموجودات لهؤلاء الأشخاص؟ بل هل ترفض الأسهم الأمريكية أو الألمانية أو البريطانية أو العقار الواقع في كندا أو إسبانيا أو مصر أو أي مكان من العالم؟ الجواب طبعاً لا.. ذلك أن الموجودات والممتلكات هي موجودات وممتلكات بغض النظر عن جنسيتها، فالدولار دولار سواء كان في جيب زيد أو عبيد من الناس؛ ولهذا فإن الأسهم الخليجية لا تختلف هنا عن غيرها من الأسهم، ويجب ألا تختلف، فما دام الهدف هو تدبير جسر تمويلي يمكن عن طريقه رهن الموجودات والممتلكات لفك حالات العسر؛ فإن العلاج هو في قبول جميع أنواع الموجودات والممتلكات وعدم إفراغ الهدف من محتواه بالإصرار على صفات معينة للموجودات لا تؤثر على قيمتها الحقيقية.
لا أحد يطالب بتقييم الأسهم الخليجية بأسعارها السابقة، ولكن الأسهم الخليجية ثروة كبيرة مهما كان السعر الذي ستقيم به في الظروف الحاضرة، وقد وصل – كما أسلفنا – إلى أدنى مستوى ممكن له، وهي تمثل أسهماً لشركات كبرى تتمتع بموجودات معروفة، أما الصفات التي أطلقت على هذه الشركات أخيراً فهي وإن كانت تنطبق على ثلاث أو أربع شركات فمن الضروري ألا ننسى أن عدد الشركات الخليجية يزيد على الأربعين، وهي شركات بها مجالس إدارة، ويوجد على رأسها رجال أعمال كويتيون معروفون، ولهذا فإن عدم قبول الأسهم الخليجية بشكل مطلق كأداة للرهن يعود بنا إلى أول الأزمة، ولا يصبح للجسر التمويلي مفعول يذكر، فالأسهم الكويتية تكاد الآن تصبح في يد الحكومة بنسب عالية، ومعنى هذا أن الكمية المتوافرة منها للرهن محدودة جداً، ولا تؤثر في حجم التشابك والمديونية.. وفي رأي الكاتب؛ فإن استبعاد الأسهم الخليجية من الرهن يكون كمن أخذ باليمين ضعف ما أعطى باليسار، ويزيد من الانطباع العام الذي يشعر به الناس من أن الاتجاه هو لإعطاء تصور بأن هذه القضية إنما تخص أعداداً قليلة من الناس؛ ولهذا فإن تأثيرها محدود بهم، هذا خطأ جذري بالطبع، والإصرار عليه سيكلف البلاد ثمناً باهظاً فيما بعد.
وربما كان من الضروري التذكير بأن الأسهم الخليجية هي ثروة كويتية لا يجب التفريط بها عن طريق عدم الاعتراف، وعن طريق النظر إليها وكأنها وباء، والواضح الآن أن الحل الذي يمكن تطبيقه في ديسمبر 1982م يكلف أضعاف ما كان يمكن تطبيقه في سبتمبر 1982م، وأن الحل الذي ستضطر الدولة إلى تطبيقه في مارس 1983م سيكلف أضعاف ما يمكن تطبيقه في ديسمبر 1982م.. وهكذا، وهلم جرا.. ولنأخذ مثالاً بسيطاً على ما يمكن أن يحدث: لنفترض أن إحدى الشركات المقفلة التي أنشئت في النصف الأول من عام 1982م استخدمت أكثر من نصف رأسمالها المدفوع في عمليات الأسهم، ولنفرض أن هذا أدى إلى فقدانها ذلك المال، في هذه الحال ستكون الشركة معرضة لإشهار إفلاسها؛ وحينها فإن المصفي سيقوم قبل كل شيء بالرجوع إلى المساهمين الأصليين لسداد ديون الشركة واستحقاقات الغير عليها، وسيطلب منهم قبل كل شيء تسديد باقي رأس المال غير المدفوع لعل هذا يدرأ خطر الإفلاس، وذلك بغض النظر عن البيوعات التي تمت، وأين أصبح سهم الشركة وفي حوزة من؟ وكم ألفاً من الناس سيتأثر بذلك؟ وما نوع هؤلاء الناس؟ وأين مواقعهم؟ أليسوا جميعاً من موظفي الدول الصغار والمتوسطين الذين وجدوا في الشركات المقفلة وسيلة لتحسين أوضاعهم المادية وشجعتهم الدولة على ذلك القرار الصادر من مجلس الوزراء وبتوصية من اللجنة الاقتصادية المنبثقة من مجلس الوزراء بتقليل المخصص من الأسهم لمؤسسي الشركة وتوزيع أكبر كمية منها على أكبر عدد ممكن من المساهمين؟
إن محاولات حصر المشكلة في أشخاص قليلي العدد لا تخدم الوضع الجامد الذي يسود البلاد الآن، ولو كان الأمر يتعلق بهذا العدد القليل من الناس لما أنشئت الحياة الاقتصادية في البلاد بهذا الشكل الذي يراه كل من يكلف نفسه تحليل الوضع وفحصه.
والإجراءات التنفيذية المطلوبة لوضع توصيات غرفة التجارة والصناعة موضع التنفيذ هي:
1- قبول جميع أنواع الأسهم كرهونات وخاصة الأسهم الخليجية.
2- حلول شركة المقاصة محل الدائنين والمدينين، وإصدار شكل جديد لحقوقهم بدلاً من الشيكات، ويجد الكاتب نفسه يعود مرة أخرى إلى السندات التي لا مهرب منها التي تصدر بعد أن يجري إعادة احتساب الحقوق حسب الحل الذي طرحته الغرفة، وبعد أن يجري الصلح الواقي من الإفلاس، وهذا كلام كرره الكاتب منذ بداية الأزمة في 10 مقالات، ولا يكفي أن تحدد شركة المقاصة مسؤولياتها بالأسلوب الطوعي، الذي أعلنت عنه في بيانها.
3- التزام الدولة بحل واضح لا تحيد عنه؛ حتى يعرف الجميع ما لهم وما عليهم، وبحيث لا يعرض الحل بعد مباركته إلى ما يشبه رصاص القناصة أو حرب العصابات، فالدولة مسؤولة بحكم مساهمتها في الأزمة، ومسؤولة بحكم عدم تدخلها في الوقت المناسب، ومسؤولة في نهاية الأمر بحكم كونها الدولة، وأبسط واجبات الدولة الحرص على عدم التناقض في تصريحات وزرائها وكأنهم يمثلون وجهتي نظر متناقضتين أو حكومتين مختلفتين، فما دام مجلس الوزراء مجتمعاً قد بارك اقتراحات الغرفة وتبناها؛ فالمفروض أن تتكيف أجهزة الدولة مع هذا الاتجاه وتنفذه بحسن نية، ولن يكون هذا ممكناً بالنسبة للأجهزة الحكومية وبالنسبة للأفراد إلا إذا أخذ الحل شكل القانون الذي يطبق على الجميع.
4- هذه القضية ليست قضية أفراد، وإنما قضية نظام اقتصادي وعقلية اقتصادية قامت على أساس المخاطر والمضاربة؛ ولهذا فإن علاجها لا يمكن أن ينحصر في الشكليات القانونية العادية، وإنما يجب أن يُنظر إليها على أنها حالة طوارئ تتطلب قانوناً خاصاً يعالجها.
5- أما التفاعلات الاجتماعية والسياسية التي ستنجم عن التأخير في العلاج والمماطلة والدوران في حلقة مفرغة فلا يعلم إلا الله مداها، والأفضل ألا نفكر بها الآن.