March 4, 1982

الكل ينتظر يوم 25 أبريل 1982م، وهو موعد انسحاب “إسرائيل” من سيناء، ولكن ماذا أعددنا لذلك؟ أغلب الظن أننا لم نعدّ شيئاً.. وإنما نتصرف كما هي عادتنا دوماً عن طريق ردود الفعل، وانتظار حل مشكلاتنا من قبل الغير.

وإذا كان هذا هو شأن الحكومات، فإن الوطن العربي ليس ملكاً للحكومات فقط، وبإمكان الأفراد أن يكونوا إيجابيين، بدلاً من الوقوف متفرجين.

والإيجابية يمكن أن تأخذ أشكالاً عديدة وبسيطة؛ منها مثلاً متابعة أحداث مصر بجدية تامة، لعل هذا يوجه تفكيرنا بعض الشيء عن أسعار الأسهم وتقلبات المناخ والجو، ومنها مثلاً توجيه جزء من هذه الطاقة الخيالية التي يتمتع بها الكويتيون في شؤون المال إلى مصر، ضاربين بذلك المثل كما هي عادتهم دائماً وسابقين غيرهم إلى الخير، لعل في هذا تكفيراً بسيطاً عن الإساءات التي شعرت بها مصر، يوجهها إخوتها الصغار، وما يفعله الكويتيون اليوم، يفعله غيرهم من إخوتهم غداً.

وأنا من الذين يعتقدون أن السنوات الخمس العجاف التي مضت منذ انفردت مصر بطريق خاص بها، التي حفلت بالسباب والشتائم، وتبادل التهم، كانت تجربة ضرورية وصحية في الوقت نفسه، فقد لفظنا ما كان يجول سراً في خواطرنا، ثم فجأة نبهتنا طلقات الرصاص من غيبوبتنا فوقفنا تجاه بعض نتساءل: وماذا بعد ذلك؟ وإلى أين نحن سائرون؟ وفجأة كذلك انتابنا نوع من الشعور بالحنين إلى بعض، بدأنا نردد: ما أحلى الرجوع إليه!

والحقيقة الساطعة هي أن الانحسار العربي المعاصر يؤرَّخ حين انسحبت مصر من مسؤولياتها القيادية العربية، وحين انكفأت مصر على نفسها منادية بالإقليمية.. كشرت الإقليميات الأخرى عن نفسها، فأصبحنا نسمع بالأمة المارونية، والحضارة الخليجية، وبدأنا نتبارى في مَنْ هو أقدم من الآخر، حضارة الفراعنة أم حضارة السومريين والبابليين؟! وكأن هذا موضوع مهم جداً لكبريائنا.

ولكن.. لِمَ نستغرب؟ فهذا هو تاريخنا لم يتغير، وهذه هي طباعنا لن تتغير.

وإعادة الحساب في علاقتنا بمصر تبدأ بالأفراد، وتأخذ أشكالاً بسيطة، ولكنها مؤثرة.. منها على سبيل المثال متابعة شؤون مصر، وتوجيه جزء من الطاقة العجيبة في أمور المال إليها، كما أسلفنا، ومنها تصرفات فردية يجب الكف عنها، ومبعثها المغرور المعتمد على المال، والذي ينعكس على التعامل مع الآخرين، ويحدث آثاراً سيئة للغاية، ومنها التنبيه على الموظفين الصغار التابعين لمكتب مقاطعة “إسرائيل” بالكف عن إرهاب الفكر والحجْر عليه، حين يقررون منع القارئ العربي من قراءة نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وعبدالعظيم رمضان، وغيرهم من سادة الفكر العربي المعاصر؛ لأنهم تجرؤوا وأبدوا آراء في العلن، يرددها معظم العرب في السر، وحتى إذا اختلفنا معهم في ذلك، فليس الاختلاف في الرأي سبباً لفرض الرقابة على أعمالهم، في وقت يسود الفكرَ العربيَّ جفافٌ لم يسبق له مثيل في عصرنا الحديث.

وبعد.. كل من ذهب إلى القاهرة هذه الأيام، عاد وهو مرتاح للجو العام الذي يسودها، وللعقلانية التي تحكم تصرفات السلطة هناك.

ويبقى علينا أن ندعم هذا الاتجاه؛ الأفراد قبل الحكومات، وأن نصوت لصالح مصر بجيوبنا وليس بتصريحاتنا وعواطفنا.

أما المال الحكومي المكدس في بنوك أمريكا، والذي أصبحنا بمقتضاه أسرى لأمريكا، فإن الأوان قد آن لتوجيه بعضه إلى مصر بالذات، حتى تستطيع مصر أن تخلِّص نفسها من الحلقة المفرغة التي أحاطتها بها أمريكا، وتغلغلت بموجبها إلى معاقل الفكر والتراث، والتربية والتعليم، والبحث العلمي، كما أشارت إلى ذلك كاتبة فاضلة في جريدة “السياسة” يوم 2/3/1982م هي السيدة نورية السداني، وحتى يعرف الجمهور في مصر أن المال العربي غير المشروط يمكن أن يكون بديلاً عن المال الأوروبي المشروط.

ولقد اكتشف العرب أخيراً أنهم لا يستطيعون الوصول إلى الحد الأدنى من الاتفاق فيما بينهم في غياب مصر، وأنهم لا يستطيعون استخدام أي أسلحة متاحة لهم في ميدان المال والطاقة بدون الثقل الحضاري والسكاني والعسكري لمصر، ويجب علينا على الأقل أن نرتفع ونرتقي فوق الخصومات الشخصية، وأن نواجه التحدي المطروح أمامنا، بعقل كبير وقلب وأكبر، وألا نقع فريسة الشكليات حول عودة مصر للعرب أو عودة العرب لمصر، فالذي يردد هذه الشعارات يهمه ألا يعود أي منهما إلى الآخر.

Comments are closed.