December 21, 1982

الآن وقد أقر مجلس الأمة تعديل الدستور وأحال المقترحات بشأن التعديل إلى اللجنة البرلمانية المختصة، يجدر بنا أن نلقي الضوء على بعض المفارقات التي حدثت أثناء احتدام المعركة البرلمانية.

فبعض الذين صوتوا مع الحكومة أوضحوا بصراحة أن موافقتهم على مبدأ مناقشة التعديل لا يعني موافقتهم على التعديلات المقترحة من الحكومة.

كما أن المناقشة أوضحت أن بعض التعديلات ذات طبيعة إجرائية يتطلبها حسن الإدارة الحكومية، رغم أنها تبدو شكلياً وكأنها سلب من اختصاصات المجلس.

إلا أن المناقشة كشفت كذلك أن جوهر التعديل يتضمن في آخر المطاف تعزيزاً للسلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية، وخاصة ما يتعلق بمبدأ التفويض التشريعي، وإعلان الأحكام العربية دون الموافقة الصريحة للمجلس ولو لاحقاً لإعلانها.

وليس هنا مجال تحليل المواد الدستورية المقترح تعديلها، فقد تناولها مختصون قانونيون وأفاضوا في تفنيد رأي الحكومة، وبذلك يمكن أن يقال: إنه رغم الانتصار التصويتي للحكومة في المجلس فإن معارضي التعديل قد حققوا انتصاراً معنوياً كبيراً.

ولكن الملحوظ أنه أثناء مناقشة هذه التعديلات في مجلس الأمة وقع العبء الأكبر في تقديم التعديلات والدفاع عنها والرد على الاستفسارات حولها ومقارعة حجج المعارضين على رئيس مجلس الوزراء وعلى وزير العدل والشؤون القانونية، ولم يتصدَّ أحد من الوزراء الآخرين للاشتراك في الدفاع ومساعدة زملائه في هذا الأمر، ولقد كان لصمتهم دوي يصم الآذان!

وهذا أمر بحاجة إلى تفسير، فتعديل الدستور أمر غاية في الأهمية، والمفروض أن الحكومة متضامنة بشأنه، ولهذا فإنها يجب أن تجند جميع أعضائها لمساعدة العضو المختص مباشرة، وخاصة الأعضاء الذين يعرف عنهم قدرة المناقشة والمجابهة، إلا أن الغالبية منهم استمعت إلى النقاش ثم حضر الجميع جلسة التصويت وصوتوا بصمت لافت للنظر.

وفيما يتعلق بمبدأ التعديل؛ فإن الكاتب لا يعتبر نفسه من المعارضين للمبدأ، فالدستور الكويتي ليس كتاباً مقدساً لا يمسه أحد، وفي رأي الكاتب أنه كان على الحكومة أن تعالج موضوعاً مهماً آخر في مواد الدستور؛ وهو الجزء الخاص بالميزانيات وإعدادها؛ حيث يشكل السرد التفصيلي الموجود الآن في مواد الدستور لكيفية إعداد الميزانيات عائقاً في سبيل إصلاح النظام الحالي القائم على أساليب عتيقة تصلح في عالم مسك الدفاتر ولا تصلح في عالم الكمبيوتر، إلا أن التعديلات المقترحة لم تتطرق إلى الشؤون المالية وشؤون الميزانية.

والتعديلات التي أدخلت على دستور الولايات المتحدة تكاد توازي في أهميتها وعددها مواد الدستور الأمريكي الأصلية.

وكلنا يعرف مدى وحجم التعديلات الدستورية التي أدخلت في فرنسا أمّ الدساتير الحديثة.

كما أن الخوف على الحريات العامة من مبدأ التعديل هو خوف لا مكان له في الواقع الكويتي المعروف والقائم على عقد اجتماعي غير مكتوب بين الحاكم والشعب، ولكنه معروف ومفهوم من الحاكم والشعب.

وتعتبر دساتير الدول الشيوعية مثالية في ديباجتها ومواردها التي تتحدث عن حقوق الإنسان وفصل السلطات واستقلالها.

ومادام التعديل قد تم إقراره من قبل المجلس، فإن الجهود يجب أن تركز الآن على تحديد التعديلات الإجرائية التي لا ضير منها وفرزها وفصلها عن التعديلات التي تمس صلاحية السلطة التشريعية؛ بحيث لا يختلط الأمر، ولا يتم النظر إلى مجمل التعديلات وإنما إلى مفردها.

والواضح حتى الآن التعديلات التي تتعلق بصلاحية السلكة التشريعية لن تحصل على موافقة المجلس؛ إذ إن الدستور يشترط لذلك أغلبية الثلثين وليس أغلبية عادية، كما أن الانتصار المعنوي الذي حققه معارضو التعديل هو في تصويت أغلبية النواب المنتخبين ضد التعديل.

والكاتب يود أن يلفت أنظار النواب المحترمين إلى موضوع لا يقل أهمية عن تعديل الدستور، وهو موضوع قانون المطبوعات المقترح، فما دامت المعركة قد أخذت طابع الدفاع عن الحريات فإن من أقدس هذه الحريات حرية القلم التي تتيح لأصحاب الرأي إبداء آرائهم سواء حازت هذه الآراء على رضا السلطة أم لم تحز، وسواء حازت كذلك على رضا الاتجاهات الشعبية أم لم تحز، فالرأي الحر مسؤول عنه صاحبه، ويجب أن يحفظ له القانون هذا الحق كما يحفظ حقوق الآخرين الذين قد يطولهم القلم.

وحرية الصحافة أمر يجب أن يحظى بنفس القدسية التي يحظى بها الدستور، ولهذا فإن بحثها يجب ألا ينحصر في اللجنة التعليمية، وإنما يجب أن ينتقل إلى اللجنة التشريعية باعتباره يمس حريات وحقوقاً عامة.

ولكن الإنصاف يقتضي في نهاية الأمر القول: إن المناقشة التي جرت حول تعديل الدستور قد رسخت مبادئ الديمقراطية، وارتقت بأسلوب المناقشة إلى درجة عالية من الحضارة، وضربت مثلاً يحتذى به على الروح الرياضية التي يجب أن تسود الصراع السياسي؛ بحيث إن “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”.

ولا شك أن شخص سمو رئيس مجلس الوزراء هو الذي قضى على تردد البعض وأدى إلى ضم أصواتهم إلى الحكومة، فلا يشك في عمق إيمانه بالديمقراطية، ولكن الأمر لا يتعلق بالأشخاص، وإنما هي مبادئ عامة لا بد من وضوحها بحيث لا يؤثر تغير الأشخاص على فاعليتها.

ومن يدري، فقد يخبِّئ المستقبل لنا أناساً لا يتمتعون بهذا القدر من الديمقراطية، ولهذا وجب الاحتياط والبعد عن المشاعر الشخصية بحيث لا تتاح الفرصة لإساءة استخدام السلطة عن طريق النصوص الدستورية.

Comments are closed.