March 10, 1983

حينما طُرح موضوع ترشيد الإنفاق الحكومي في ربيع عام 1982م كانت علامات السحب الداكنة قد بدأت تلوح في الأفق، ولكن لم يكن أحد يتوقع تسارع الأمور وتطورها في منظمة الأقطار المصدرة للنفط، بحيث يصل الأمر إلى ما وصل إليه، وينخفض مستوى الإنتاج عندنا في الكويت، ويتبع ذلك انخفاض مستوى الأسعار، وتشهد البلاد عجزاً في الميزانية للسنة الثانية على التوالي.

وهذا يخرج بموضوع ترشيد الإنفاق الحكومي؛ منها: الحد من التبذير الواضح في تكلفة المشروعات، وإيقاف السيل المنهمر في ميزانية الباب الأول، وإعادة النظر في الألوف من العاطلين عن العمل الذين يقبضون آخر الشهر مرتبات من الحكومة، والتخفيف من الروتين الحكومي الذي يتطلب موافقات مسبقة في المعاملات البسيطة للمواطنين، وإزالة العقبات التي تواجه الصناعة، ومنها ضرورة فرض الرسوم على الاستهلاك العام للماء والكهرباء وخدمات الهاتف واستعمال الطرق وتجديد رخص السيارات وتنظيف الشوارع وجمع القمامة، ومنها أيضاً ضرورة زيادة الرسوم على الكماليات غير الضرورية التي تأتي البلاد من كل فج وصوب.

كل هذا ينبثق من مبدأ أساسي مهم؛ وهو أن الدولة لا بد وأن تضيف إلى الدخل العام المتأتي من ثروات البلاد دخلاً إضافياً يتولد من نشاطات الناس المختلفة شأننا في هذا شأن بقية خلق الله في هذا العالم.

ولا يمكن تحقيق العدالة في جباية الضرائب على الناس من خلال الرسوم التي يدفعها الجميع بالتساوي وبغض النظر عن غناهم وفقرهم، وإنما تتحقق العدالة عن طريق فرض ضريبة على الدخل تتصاعد مع تصاعد الدخل، ويتحمل الغني منها أعباء تزيد على أعباء الفقير.

وما دامت أجراس الإنذار قد بدأت تدق؛ فإن من الضروري ألا ننتظر إلى أن تحل بنا الأزمة أو يحيط بنا العجز، وأضعف الإيمان هو في نفض الغبار عن الأفكار المبدئية في ضريبة الدخل، ومنها ما سبق أن طرح في مجلس التخطيط عام 1966م، وكذلك ما هو موجود حالياً في القانون السائد، والذي لا يطبق إلا على المؤسسات الأجنبية فقط.

وفي الدول التي لا تكون العدالة فيها سائدة، نجد أن عبء ضريبة الدخل المباشر يقع على أصحاب الرواتب والأجور، إذ يتم خصم الضريبة منه في المنبع، أما أصحاب المهن من أطباء ومهندسين ومحامين ومحاسبين… إلخ؛ فإنهم خير من يتفادى دفع الضريبة، وأما أصحاب الدخول العالية من غير المهنيين فإنهم خير من يتهرب من دفع الضريبة.. ولكن المفيد لنا في الكويت (في حالة فرض ضريبة الدخل على الناس) أننا لم يسبق لنا الخوض في هذا المعترك، ولهذا فلا يوجد جهاز بيروقراطي متخلف أو غير أمين يتولى هذه المسؤولية الحساسة، ونستطيع أن نقتبس أحدث وآخر ما وصل إليه العلم في متابعة، والتحقق من، الدخول الحقيقية للمواطنين باستخدام الكمبيوتر، كما هي الحال الآن في الولايات المتحدة؛ حيث أصبح التهرب من دفع الضريبة من الأمور الصعبة.

وفي الكويت، فإن احتساب الدخول لن يكون عسيراً، فالنشاط العقاري معروف مردوده، وإذا حاول مالك العقار أن يقدِّم أرقاماً وهمية عن الإيجارات التي يتقاضاها؛ فإن من السهل التحقق من صدق ذلك، والنشاط الصناعي معروف كذلك مردوده، ويمكن التحقق من ذلك عن طريق فحص أسعار المنتوجات الصناعية، أما المستورد من البضائع فمعروف كذلك سعرها، ومن السهل التحقق من التطورات التي تحصل على السعر إلى أن يصل إلى المستهلك ويشكل دخلاً للتاجر، وتجارة الأسهم – إذا عادت إلى الحياة – يسهل معرفة مردودها من واقع الأسعار المعلنة ودفاتر الدلالين، أما المردود الآتي من النشاط خارج البلاد فيجب الاعتماد فيه على دفاتر الناس الخاصة والتحقق منه أولاً بأول.

والمهم في موضوع ضريبة الدخل هو في وضوح العقوبة في حالة التهرب من دفع الضريبة، كما أن المهم كذلك ضبط الحسابات وتدقيقها، وتحميل المسؤولية لمكاتب التدقيق والمحاسبة بطريقة تكفل عدم لجوء البعض إلى وضع دفاتر مختلفة للحسابات، واحدة حقيقية وأخرى مزورة لتقديمها لجابي الضريبة.

كل هذا يمكن أن يتم إذا كان قانون ضريبة الدخل رادعاً بما فيه الكفاية؛ إذ لا يجب الاعتماد على شهامة الناس ورغبتهم في مساعدة الدولة على تحمل أعباء إدارة البلاد، فطبيعة الإنسان في كل بلاد العالم تجعله يحاول بقدر الإمكان عدم دفع الضريبة للدولة، والاستثناء الوحيد هو في ألمانيا الغربية حيث نجح المستشار السابق أديناور في الانتخابات العامة مرة من المرات وكان برنامجه يدعو إلى رفع الضرائب على الناس! ولكن ليس كل الناس ألمانيا.

ومن أهم ما يتطلبه جهاز ضريبة الدخل وجود موظفين على درجة عالية من الكفاءة المهنية وذوي دراية وحكمة في تقييم الدخول تقييماً حقيقياً إذا حاول المواطن إخفاء حقيقتها عنهم، وحينها فإن سلطتهم التقديرية ستكون رادعاً للمواطن تمنعه من التحايل.

وقد استحدثت معظم الدول الآن جهاز نيابة خاصاً لمكافحة التهرب من الضريبة، وشمل هذا الجهاز في بريطانيا – مثلاً – خبراء متخصصين استطاعوا أن يكشفوا عن الحسابات السرية للمواطنين الإنجليز في سويسرا وغيرها من الملاجئ.

إن موضوع ضريبة الدخل أمر لا يحتمل التأجيل والتأخير، وسيكون هو الاختبار الحقيقي لمدى مسؤولية أعضاء مجلس الأمة ووطنيتهم، فهناك مجال إبراز العضلات في سبيل المصلحة العامة، والموضوع يحتاج إلى تعاون دقيق وشامل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، إذ ليس أسهل من استخدام موضوع الضرائب للمزايدات والخطابات الحماسية، ولا شك أن مجلس الأمة سيرتفع إلى مستوى المسؤولية إذا رأى أن الحكومة نفسها عالجت هذا الموضوع بما يتطلبه من مسؤولية، وأوضحت الأسباب الحقيقية التي تدعو إلى البدء في جباية الضرائب من المواطنين والمقيمين الذين يستمتعون بنظام هذا البلد الحر، ويستفيدون من الفرص التي يتيحها لهم اقتصاده، ومطلوب منهم الآن أن يساهموا بدخولهم الخاصة في المحافظة على المكاسب العظيمة التي حققتها البلاد خلال فترة الثلاثين عاماً الماضية، حيث لم تكن هناك حاجة لدعوة الناس للمساهمة في تكاليف إدارة بلادهم.

أما الآن وقد وضحت الحاجة إلى ذلك، فإن المطلوب من الناس أن يفصحوا عن مدى وطنيتهم وولائهم للكويت، وليس أبهى من الإفصاح عن الولاء بتقديم جزء من الدخل الفردي للمساهمة في الحفاظ على كيان البلاد الاقتصادي، والذي بدوره يدعم كيانها السياسي.

Comments are closed.