كما سبق وأوضحنا، فإن موضوع العنصر الأجنبي في الأزمة كان مطروحاً، وقابله الكاتب بكثير من الشك والتحفظ؛ باعتبار أننا معشر العرب مُغرمون دائماً بإلقاء اللوم على الأجانب لإخفاء نقاط الضعف فينا.
ولكن قد يكون من المفيد أن نشرح هذه الآراء ونطرحها على بساط البحث، على الأقل حتى نتأكد من صحتها أو عدم صحتها، وحتى لا نتركها تشغل حيزاً من تفكيرنا ونحن في مواجهة الأزمة الاقتصادية الكويتية.
فالعقل الأجنبي المخطط نظر إلى الكويت فرأى فيها نقطة ناصعة البياض في أسلوب حكمها وفي ديمقراطيتها، ونظر إلى سجلها خلال الثلاثين سنة الماضية فرأى فيها مثالاً على حسن الإدارة المالية؛ مما مكَّن البلاد الآن من مواجهة نقص موارد النفط وتعويضها بموارد الاستثمارات التي تمت في تلك السنين، ولعل من أعظم الإنجازات كذلك الاستثمار المحلي في تصنيع النفط، الذي قوبل وقتها بكثير من المعارضة، وأثبتت الأيام الآن مدى حكمة ذلك القرار، فالمصفاة التي بُنيت في الستينيات تقوم الآن بالتعويض في مبيعاتها عن انخفاض الإنتاج في الموارد النفطية الخام.
هذا هو أهم ما يميز الكويت؛ أي حسن الإدارة المالية، وهذه الميزة أعطت الكويت مقدرة فائقة تعدت حجمها وحتى قوتها المالية المتمثلة في كمية المال المتوافر لديها.
ومكَّنت هذه الميزة البلاد من ممارسة دور مهم وأساسي في السياسة العربية، وفي السياسة النقدية الدولية، وفي سياسة مساعدة الشعوب النامية، وفي سياسة الاستيلاء على الثروة النفطية من براثن الاحتكارات العالمية وهو درس لن تنساه هذه الاحتكارات.
ولهذا؛ فقد يكون المخطط الأجنبي محقاً في طعن الكويت في أقدس ميزاتها؛ أي صفة الإدارة المالية العاقلة والحسية وتجريح سمعتها وسمعة مواطنيها في أهم اختصاص لهم.
ذلك أنه جرب إشعال فتنة طائفية هنا مثل ما حدث في لبنان، وجرب افتعال مناوشات هنا وهناك بين الوافدين، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل؛ بسبب صلابة وقوة الجبهة الداخلية ونظام الحكم الذي يتمتع باحترام وشعبية بين الناس.
ولا بد أن المخطط الأجنبي يتمتع بقدر من الذكاء يسمح له باختيار الأسلوب المناسب لكل ظرف ولكل مكان.
فمصر خرجت مؤقتاً من المعركة باتفاقيات “كامب ديفيد”..
ولبنان تم تمزيقه إرباً إرباً..
والعراق وإيران انشغلا بحرب كفيلة بإنهاك قوى الاثنين معاً..
والكويت التي كانت ولا تزال مثالاً خطراً ومزعجاً بسبب الحرية فيها وبسبب نظامها البرلماني، وفوق كل هذا وذاك بسبب حسن إدارتها المالية؛ لا بد من إطفاء جذوتها معركة داخلية كفيلة بدق إسفين التفرقة بين مواطنيها وإلهاء ساستها ومفكريها وتجارها ورجالها؛ بحيث لا يصبح لهم اهتمام خارج حدود الرقعة الضيقة التي تحددها الجغرافية كدولة الكويت، وبحيث تفعل هذه المعركة الداخلية في الجسم الكويتية مفعول السرطان الذي يأكل ويهري الجسم تدريجياً من الداخل.
ويقال، وما أكثر الأقاويل هذه الأيام: إن أموالاً أجنبية كبيرة دخلت البلاد في فبراير 1982م، وساهمت في رفع أسعار الأسهم وأججت نار المضاربات تماماً مثل ما حدث في الذهب والفضة، ثم إن هذه الأموال حققت أرباحاً وخرجت من السوق بنفس السرعة التي دخلت فيها، ورمت بالجمرة إلى أيدي الكويتيين.
ولعل المقترضين من بنوك أجنبية يلاحظون هذه الأيام أن البنوك هذه غير مستعدة لتأجيل دفع ديونها أو تجديدها وتصر على الدفع بالكامل.
هذه هي عناصر التدخل الخارجي، وبالطبع لا يمكن أن تكتمل هذه العناصر ما لم يكن لديها أدوات محلية تمكِّنها من تنفيذ المخطط سواء بوعي أو بغير وعي.
ربما كان هذا الكلام ضرباً من الخيال، أو تضخيماً للأمور، وربما لم يكن كذلك، ولكن المهم في الأمر أنه كلام يدور بين الناس، ولقد اضطر الكثيرون الذين لم يعيروه التفاتاً من قبل أن يعيدوا النظر في صحته وإمكانية حدوثه.
وإذا كان موضوع التدخل الخارجي صحيحاً ولو جزئياً؛ فالمفروض أن تعيد الحكومة النظر في أسلوب معالجتها للأزمة وتعود إلى الحل الذي كان جاهزاً في سبتمبر 1982م الذي كان من شأنه أن يقضي على الأزمة في مهدها، وكان هو المحك والاختبار الحقيقي لقدرة الاقتصاد الكويتي على مواجهة الأزمات والكوارث، ولا يزال هناك متسع من الوقت لتحكيم العقل.