November 4, 1982

تناول الكاتب في الجزء الأول من مقاله السابق السياسة السكانية بشكل عام، وفي الكويت بشكل خاص، وخلص إلى القول: إن ظروف الكويت الموضوعية تحتم تجنيس العرب الوافدين في النهاية، وأكد ضرورة أن يكون التجنيس انتقائياً باعتباره الحل النهائي لمشكلة عدد السكان في الكويت، وفي الجزء الثاني والأخير من مقاله يتابع الكاتب طرح تصوره.

يبدأ التجنيس الانتقائي بتحديد نسب يسمح بتجنيسها من كل بلد عربي، ثم ينتقل لتحديد نوع المهارات والاختصاصات المرغوب تجنيسها، كما يمكن الاعتماد على تجنيس مواليد الكويت من العرب الذين عاشوا في ظلها وتربوا فوق ترابها ودرسوا في مدارسها وتطبعوا بطباع أهلها واقتبسوا لهجتهم وميولهم ومزاجهم.

والكاتب من الذين أيدوا تجنيس البادية في الستينيات، ونسي الذين اعترضوا على ذلك أن سكان البادية هم عرب أقحاح مثل غيرهم، ولكن كان الرأي هو ألا نقْصُر التجنيس على البادية، فتجنيس سكان البادية أضاف في بداية الأمر عبئاً كبيراً على الاقتصاد الوطني، إلى أن تحضروا ودرسوا وتطبعوا بطباع المدن، وأصبحوا مواطنين عاديين، ووُلد أبناؤهم وهم كويتيون.. أما تجنيس العرب الآخرين فلم يكن ليشكل عبئاً على الاقتصاد الوطني؛ لأنهم كانوا ولا يزالون جزءاً من هذا الاقتصاد، داخلين في دورته، ولم يأتوا إليه من خارجه، وكان تجنيسهم سيشكل توازناً في تركيبة المجتمع الكويتي، ويضيف دماء جديدة له هو في أشد الحاجة إليها.

وبعد.. إذا كان التجنيس عملية صعبة الهضم والقبول، فلا أقل من اللجوء إلى فكرة الإقامة الدائمة لمن يشكلون عصب الحياة في البلاد، وأن تشمل الإقامة الدائمة حق شراء المسكن والاتجار بالأسهم والعقار وممارسة التجارة مباشرة وبأسمائهم بدلاً من اللجوء – كما هي الحال الآن – إلى استخدام أسماء أصحابهم من الكويتيين للقيام بمثل هذه الأعمال.

ويجدر بالذكر أن مجلس الوزراء لم يوافق حتى الآن على تسجيل مسكن واحد لعربي مقيم في الكويت، والكاتب يعرف عرباً مضى على إقامتهم ما بين 20 – 30 سنة واشتروا بيوتاً يسكنونها؛ لأن مصيرهم ارتبط بهذه البلاد، ومع ذلك فقد اضطروا لتسجيل تلك البيوت بأسماء أصحاب لهم يثقون في نزاهتهم من الكويتيين.

والسؤال هو: لماذا لم يوافق مجلس الوزراء حتى الآن على تسجيل البيوت بأسماء ملاكها الحقيقيين، رغم أن القانون الكويتي لا يمنع ذلك؟ ونحن الكويتيين دائمو الشكوى من البلاد الأخرى التي تطبق علينا نفس ما نطبق نحن على الآخرين!

(ملاحظة: صدر أخيراً مرسوم يجيز لثلاثة مواطنين عرب تسجيل مساكنهم بأسمائهم، وأول الغيث قطر إن شاء الله).

ويمكن بعد ذلك أن تشكل لجنة من ذوي الخبرة والرأي مع عدد من الرسميين المختصين تكون مهمتها النظر في أوضاع المقيمين من العرب الحاصلين على الإقامة الدائمة، ومنح بعضهم الجنسية الكويتية بعد مضي فترة من الزمن، على أن يكون أعضاء هذه اللجنة من المؤمنين بفكرة التجنيس لا من الرافضين لها، وذلك حتى لا تتجمد أعمال اللجنة.

بهذا فقط نستطيع أن نقوي من صفوفنا ونزيد أعدادنا بحيث نصل إلى حجم يؤهلنا لدعم استقلال بلادنا والدفاع عنها، فالمتجنس يعتبر نفسه مرتبطاً بوطنه الجديد أكثر من ارتباط “الأصلي”؛ لأن الأخير ولد كويتياً بدون خيار، أما الأول فاختار أن يكون كويتياً.

ولا بد من قبل اختتام هذا المقال حول السياسة السكانية أن نتطرق لبعض النصوص الاستثنائية الواردة في القانون التي تفرق بين الكويتي بالتأسيس والكويتي بالتجنيس، ولتذكير من خانته الذاكرة فإن قانون الجنسية الكويتي كان من أفضل القوانين التي صدرت، ويغلب عليه الطابع الإنساني، فالمشروع أوجد عام 1959م فترة انتقالية قدرها حينذاك بخمس سنوات وبعدها يتساوى جميع الكويتيين في الحقوق السياسية؛ إذ إن الكويتي الذي وفد إلى البلاد بعد عام 1921م اعتُبر “متجنساً”، والذي كان في البلاد قبل عام 1921م اعتبر “أصلياً”، وأقر المشروع بأن تحديد أي تاريخ للجنسية هو تحديد اعتباطي، ولهذا رأى ضرورة وجود فترة انتقالية ينتهي بعدها التفريق بين الناس، ولكن مجلس الأمة عدل هذه المادة عام 1964م، فمدَّ الفترة الانتقالية لتصبح 10 سنوات، ثم جاء مجلس بعده فقرر أن تصبح الفترة الانتقالية 21 سنة على أن يبدأ مفعولها من عام 1968م.

وقليل من الناس يعرف أن نصف عدد الكويتيين تقريباً يُعتبرون متجنسين محرومين من حق الانتخاب والترشيح لمجلس الأمة. ولعل هذا يفسر العدد القليل نسبياً الذي تم تسجيله لانتخابات مجلس الأمة التي جرت عام 1981م، والذي كان من المفروض أن يصل إلى مائة ألف أو أكثر حسب أعداد الكويتيين في التعداد العام للدولة، وأصبح من القواعد المعروفة أنه إذا تم تجنيس أي شخص فإنه يمارس حقوقه السياسية بعد مضي 21 سنة على حصوله على الجنسية، بل إن بعض المنافقين من أدعياء الخبرة زاد على ذلك؛ فقرر أن ابن المتجنس يبقى متجنساً وكذلك ابنه، وهلم جرا وإلى الأبد، رغم أن القانون واضح في أن من وُلد لأب كويتي فهو كويتي بالتأسيس، وعلى كلٍّ؛ فإن كل هذه التعريفات إنما تعتبر سُبَّة في جبين الكويت الحرة، ويجب إصلاح هذا الخلل.

وهناك مشكلة أخرى غير ظاهرة للعيان ولكنها تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم بسبب عدم الجدية في حلها بل في تجاهلها التام والمتعمد؛ وهي مشكلة من لا جنسية لهم، وعددهم يصل إلى الآلاف، وهم جميعاً من مواليد الكويت، ولا يوجد بلد في العالم يمكن أن يرْحَلوا أو يرَحَّلوا إليه، ولهذا فهم باقون هنا إلى الأبد، وتوالدهم مستمر، وتزايدهم مطرد، ومشكلتهم تتفاقم، ولا يوجد حل وسط لمشكلتهم، فالحل هو في إعطائهم الجنسية مرة واحدة والتخلص من هذا الوضع الشاذ؛ وإلا فإننا نكون قد مهدنا الطريق لتربية جيل لا أمل له في حياة معقولة، وربما دفعه اليأس إلى الجريمة أو إلى أكثر من ذلك في الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة.

كما أن من الضروري لفت النظر إلى بعض الإجراءات والقرارات الإدارية التي تفوح منها رائحة التفرقة، فالمقيم في البلاد إقامة شرعية يجب أن تطبَّق عليه قوانين البلاد كما تطبَّق على المواطن من حيث أحقية التعليم الذي جعله القانون إلزامياً، وليس معقولاً أن تطلب الكويت الغنية من العاملين فيها من غير الكويتيين ومن أصحاب الأجور أن يدفعوا نفقات تعليم أبنائهم أو أن تفرض عليهم رسوماً لدخول المستشفيات العامة هي في غنى عنها بما منَّ الله عليها من خيرات، أو تفرِّق بينهم في المرتبات وحتى في العلاوات الاجتماعية التي تُخصَّص للكويتيين، ناهيك عن عدم شمولهم بقانون التأمينات الاجتماعية، وهذه الإجراءات التي لا تقدِّم ولا تؤخر في موارد البلاد تضفي طابعاً كريهاً، وتوجِد لدى المقيمين شعوراً بالغبن.

وأخيراً.. ما الموقف الآن.. ليس بالنسبة للمقيمين ممن وُلدوا في الكويت، بل من أولادهم الذين وُلدوا في الكويت أيضاً؟! هل ينطبق تعريف الكويتي على من وُلد هو وأبوه في الكويت؟ توجد أعداد كبيرة من هؤلاء ممن قدِم آباؤهم – أو بعبارة أصح أجدادهم – في أوائل الخمسينيات، ولم يعرفوا بعد ذلك لهم وطناً غير الكويت، هل نطلب من الأجداد مغادرة البلاد عند بلوغهم السن القانونية للتقاعد بعد أن تخرَّج على أيديهم قادة البلاد الآن؟ وإلى أين يذهبون بعد أن قدَّموا شبابهم للكويت؟ وكيف نعامل أبناءهم وأحفادهم من مواليد الكويت؟ هل نطلب منهم مغادرة موطن ولادتهم عند بلوغهم سن الثامنة عشرة كما يطلب القانون الآن والتقدم بعد ذلك بطلب إذن لدخول البلاد؟

هذه أسئلة تتطلب جواباً إنسانياً، وفي رأي الكاتب أن تأجيل معالجة القضية السكانية هو كالنعامة التي تخفي رأسها في التراب، فهذه المشكلة هي المشكلة الرئيسة بل والأساسية في البلاد، ولا تفوقها مشكلة أخرى، كما أن حلها سهل وفي متناول السلطة، ولا يبقى إلا توافر الإرادة السياسية لحلها، وستجد الدراسات والأرقام جاهزة في مجلس التخطيط السابق ووزارة التخطيط الحالية.

  • ملاحظة لاحقة: قبل نشر هذا المقال طالعتنا الصحف بمشروع قانون لتنظيم إقامة الأجانب في الكويت مقدم من خمسة أعضاء من مجلس الأمة، ويهدف القانون في آخر الأمر إلى تخفيض نسبة الأجانب إلى المواطنين، وتخفيض نسبة الأجانب إلى المواطنين لا يمكن أن يتم إلا بأحد الطريقين:

1- تخفيض مستوى المعيشة في الكويت بوجه عام؛ إذ إن انخفاض عدد الأجانب نسبياً إلى الكويتيين سيؤدي إلى ذلك؛ حيث إن الكويتيين أنفسهم لا يمكن أن يعودوا إلى الأعمال اليدوية والفنية.

2- أو زيادة عدد المتجنسين زيادة ملحوظة؛ ما يؤدي إلى زيادة عدد الكويتيين؛ وبالتالي ارتفاع نسبة عددهم إلى عدد الأجانب.

ولا شك أن مقدمي مشروع القانون لا يهدفون إلى تخفيض مستوى المعيشة لناخبيهم، والمرجو أن يكون هدفهم هو تسهيل منح الجنسية الكويتية لأعداد كافية من المقيمين تتيح للدولة عدداً معقولاً من المواطنين يعزز من قدرتها على المحافظة على كيانها واستقلالها.

Comments are closed.