May 20, 1983

معروف شعبياً تفشي صفة البخل بين الإسكتلنديين، ولكن الذي اختلط بهم يعرف عنهم الحرص وليس البخل، وكذلك السوريون بين العرب معروف عنهم عدم التفريط بالمال إلا بعد دراسة دقيقة له، وفي أوروبا يشتهر السويسريون بهذه الصفة لدرجة أنه إذا نطق ضيف بعبارة مجاملة غير مقصودة حول استعداده لدفع ثمن الغداء المدعو له؛ فإن المضيف لا يتردد في الموافقة، وخاصة إذا كان من أهل زيوريخ، وفي الجزيرة العربية تلتصق صفة الحرص بالكويتيين، وخاصة من ذوي الأصول النجدية، ويبدو أن الفارق بين البخل والحرص قد لا يزيد على خط فاصل دقيق جداً يقارب من الشعرة، والأمر في النهاية عائد إلى تصرف الشخص وتقييمه للفارق بين الصفتين.

ولكن البخل يعتبر من الصفات الكريهة التي تضفي على صاحبها وجهاً كريهاً منبوذاً بين الناس وبين أهله وأقربائه، وخاصة إذا شاعت عنه صفة البخل، وليس أسوأ من صفة البخل تلتصق بالإنسان، وعموماً فإن الله لا يوفق البخيل.

وكما قال المثل الكويتي: “مال البخيل يأكله العيار”، وهذا البخيل يعتقد أنه سيأخذ أمواله معه القبر ويصفّها صفاً صفاً بجانب جثمانه!

والمهم ألا يختلط الأمر على الناس الحريصين فيمتد حرصهم إلى مجالات قد يشكل الحرص فيها نوعاً من البخل حتى ولو قدم هذا الحرص على أنه اقتصاد، فالكرم صفة من صفات العرب الأصيلة، وإذا كان الكرم قد أخذ في الماضي مجال الأكل والضيافة؛ فلأن الأكل والضيافة في عالم الأمس كانا من الأمور المهمة جداً في حياة الناس التي تؤثر على بقائهم أحياء، ولذلك فإن الأكل يعني تقديم جزء كبير من ثروة الإنسان قد تأخذ شكل وسيلة المواصلات الوحيدة له إذا اضطر لذبح ناقته أو فرسه لتقديمه كوجبة أكل لضيفه، أما الآن فإن الكرم يجب أن يأخذ صفات أخرى؛ إذ إن حشو معدة الضيف لأصناف الأكل من شأنه أن يؤدي به إلى تفاقم أمراض القلب والسمنة والسكر وغير ذلك، ولهذا فتقديم الأكل ليس من علامات الكرم، وربما كان من علامات الإزعاج، أما الكرم الحقيقي فيجب أن يأخذ صفات أخرى تتمثل في التبرع والإحسان بما يعادل أهمية الأكل في الماضي.

وهذا التبرع والإحسان يجب أن يذهب إلى حيث يستحقه الناس.. إلى الفقراء المسلمين في مصر والمغرب وتونس وغيرها من البلاد العربية، هناك يكون الأجر أجرين، ويكون لبناء مسجد ومكتبة وصالة لقرية أو مدينة صغيرة قيمة كبيرة تفوق قيمة بناء المساجد في الكويت ومنافسة الدول في ذلك، والتباري في المظاهر.. والتبرع والإحسان يجب أن يأخذ شكل منح دراسية خاصة للمبرزين من أولاد العرب غير القادرين على تخطي الحواجز الحكومية في دخول الجامعات.. والتبرع والإحسان يمكن أن يأخذ شكل بناء منشآت للبحث العلمي في الجامعات التي تقدر البحث العلمي وتنقصها المادة.. وهكذا يكون الكرم بمفهومه الجديد، أما كرم حشو المعدة بالأكل فقد عفا عليه الزمن، وفي رأيي أن الذي يحصر تعريفه للكرم بدعوة الناس للأكل هو في الواقع البخيل الجديد الذي يتوارى خلف أكوام الأكل ليخفي بخله، أما الكريم الحقيقي فهو الذي يحلل أمواله بالتبرع والإحسان في المجالات الواسعة وبنفس النسبة التي كان الأكل يشكلها أيام شهرة الكرم عند العرب.

Comments are closed.