October 5, 1982

استعرض الكاتب أزمة السوق في بدايتها، ونادى بالابتعاد عن أسلوب الذين اكتشفوا الحكمة بعد فوات الأوان، وانطلقوا في التذكير بأنهم حذروا.. وأنهم قالوا.. وأنهم نصحوا (1).

ثم عاد إلى نفس الموضوع حين سادت موجة تفاؤلية تبشر بالحل، إلا أنها سرعان ما تبخرت كما يتبخر السراب (2).

واستخلص في مقال ثالث جرسين من أزمة السوق فيهما عبرة لمن يعتبر، معالجاً موضوع لجنة الأوراق المالية وموضوع الاستثمار خارج الكويت (3).

وعاد في مقال رابع مستعرضاً ردود الفعل التي لمسها في الخارج، وماذا يقولون حول الأزمة (4).

وهو يطرح في المقال الخامس اقتراحاً محدداً لحل الأزمة، والكثيرون قد أدلوا بدلوهم في الوصف والتحليل والتذكر، وإبداء الحكمة المتأخرة ولكنهم توقفوا عند ذلك.

والآن جاء دور مجلس الأمة.. والكثير من أعضائه متضررون؛ وبالتالي فإن حكمهم على الأمور قد لا يكون مجرداً، وهم في هذا لا يختلفون عن باقي أبناء الشعب الكويتي والمقيم، وكان الله في عون الحكومة وهي تختار أعضاء لجنة التحكيم والمصالحة التي أشار إليها القانون المقترح.

وكما سبق وأسلف الكاتب في مقال سابق، إنه لا يوجد حل وحيد أو حل سحري يفك الأزمة وينهي المشكلة بجرة قلم، ولكن توجد عدة وسائل وقرارات وتصرفات يشترك فيها الجميع طوعاً، ويتضافرون لتسهيل وقع الأزمة، ولكن ثبت الآن أن الحل الاختياري والطوعي هو أبعد ما يكون عن الحصول، فالطمع والجشع الذي سيطر على الناس فاق التصور، وحتى الاتفاقات الحبية التي سبقت الأزمة بوقت طويل نجدها الآن تنهار في ظل الأخلاق الجديدة، والكل يتهرب من الدفع ويلقي باللوم على الآخرين الذين لم يدفعوا، والجميع يشيرون إلى المقاصة وكأنها الحل السحري الوحيد المتبقي.

ولا شك أن الدولة مدعوة الآن لإجراء دراسة اجتماعية عميقة في تركيب المجتمع الكويتي ومقوماته، ومما يتكون نسيجه، فقد كشفت هذه الأزمة عن عادات وتقاليد يستحسن أن نواريها التراب، وننساها، حتى لا نصاب باليأس.

ولدى الكاتب حل تناقش فيه مع بعض المختصين الخبراء العاملين في السوق أيضاً؛ خشية أن يقول أحد: إنهم نظريون ولا يفهمون الواقع الكويتي، هذا الحل هو مساهمة مع الحلول الأخرى المطروحة، لعل فيه مجالاً للتفكير والعون.

والحل هو أن تحصي شركة المقاصة حجم الديون المستحقة للناس وعليهم، ثم تقوم بتصفيتها وخصمها من بعضها، وتجري بعد ذلك عملية تخفيض حاد للأرباح المحققة على الشيكات بقرار قانوني من مجلس الوزراء، وتضيف هذه الأرباح على أسعار الشراء التي تمت بها صفقات الأسهم، وهذه الأرباح ستتراوح بالطبع بين الحد الأدنى للفائدة المصرفية؛ أي 9%، والنسب التي اقترحت من قبل مختلف الجهات ما بين 15% إلى 20% إلى 25%، بالإضافة إلى تجاوز ذلك في الصفقات الشرعية، وخاصة ما يتعلق منها بالأسهم الكويتية التي حققت خلال السنة أرباحاً كبيرة على شكل منح وأرباح نقدية تعادل أو تفوق نسبة الربح المحققة في الشيك المؤجل.

حتى الآن.. هذا هو الحل الذي طرحه معظم الناس، ولكن الكاتب يعتقد أنه حل ناقص، إذ لن يكفي كل هذا لسد العجز الذي لا بد وأن يظهر بعد إجراء كل العمليات سالفة الذكر، ورغم عدم وجود بيانات دقيقة حتى الآن – إذ إن الاجتهادات في الأرقام بلغت حدوداً فلكية – فإن الكاتب يقدر أو يخمن مقدار العجز الذي سيتبقى بعد ذلك بحوالي بليوني دينار، فإذا كان في حدود هذا المبلغ؛ فالسؤال هو: من يغطيه؟

بالطبع.. فإن على الحكومة أن تفرض الحراسة على أبطال اللعبة؛ بحيث تقودهم إلى الإفلاس إلا إذا استطاعوا الوفاء بالتزاماتهم، والإفلاس يعني الرجوع إلى كل تصرفاتهم قبل ستة أشهر من إعلان الإفلاس، فالسوق مليئة الآن بالإشاعات عن قيام بعض الأبطال بتحويل بعض أملاكهم إلى أسماء أخرى، وهذه الإجراءات كلها باطلة بحكم القانون، ويجب حينها أن تقوم الدولة بملاحقة المدين بالنيابة عن الدائن ليس فقط فيما يملكه من أسهم، وإنما أن يشمل ذلك العقار وجميع أنواع الممتلكات العائدة له، يجب إجراء تحقيق دقيق ومفصل وحازم في حق عدد معروف من الناس الذين يصلون مرحلة الإفلاس، وأن يبقوا معتقلين رهن التحقيق، وأن يتم إحضار من هرب منهم إلى الخارج بالوسائل المتاحة أمام الحكومات إذا أرادت.

فإذا تمت مصادرة أملاك هؤلاء داخل وخارج الكويت، وامتدت التحقيقات لتشمل تصرفاتهم قبل إفلاسهم، فإن النتيجة هي أن تأخذ العدالة بعد ذلك مجراها الطبيعي ويسود حكم القانون، ولكن هذا قد لا يسد العجز، على الأقل في المراحل الأولى من التحقيق الذي قد يطول ويمتد به الأجل إلى أن يتم توزيع واقتسام أموال وأملاك المفلسين على دائنيهم؛ وهذا من شأنه أن يزيد من استفحال المشكلة بالنسبة للناس الذين يجدون أنفسهم مثل جنود المسلمين في عبورهم مضيق جبل طارق؛ أي أن العدو أمامهم والبحر من ورائهم، فهم أمام مدينيهم غير قادرين على التحصيل وأمام دائنيهم عاجزون عن الوفاء، وكما أسلفنا؛ فإن هذا لن يغطي في رأي الكاتب كل العجز الذي ستظهره الأرقام، وهنا يأتي الحل المقترح؛

وهو أن تصدر شركة المقاصة سندات بقيمة العجز يتم تحصيلها على فترة عشر سنوات وتحمل فائدة معقولة، وتضمنها الحكومة.

بهذه الطريقة تستطيع الحكومة أن تستوعب المشكلة وتقسطها على فترات زمنية معقولة، وهذه السندات سيكون لها سوق ثانوية نشيطة، وسيقوم الكثير من الناس بخصمها عن طريق البنوك التي لن تمانع في ذلك ما دامت السندات مضمونة من الحكومة، أما كيف تدفع الحكومة سنوياً قيمة الأقساط المترتبة على هذه السندات؟ فالجواب هو في فرض رسوم وزيادة أسعار على بعض الخدمات التي تقدمها الدول للجميع، أليس الجميع مشتركين في مسؤولية ما حدث؟ ربما لا يكون الجميع بالإطلاق، ولكن الغالبية من الناس بطريق مباشر أو غير مباشر ساهم في هذه الأزمة؛ إذاً يجب أن يشترك الجميع في تحمُّل نتائجها.

والرسوم المقترح رفعها هي الجمارك من 4% إلى 6% على سبيل المثال، وربما زيادة أسعار البترول بخمسة فلوس أو أكثر، أو رفع أسعار الكهرباء فلساً أو أكثر، أو غير ذلك من الخدمات؛ بحيث تجبي الدولة سنوياً ما يكفي لسداد القسط السنوي المترتب على السندات، وليكن على سبيل المثال لا الحصر 200 مليون دينار سنوياً.

وبهذا نجنب الدولة شر اللجوء إلى الاحتياطي لسد العجز، فهذا الاحتياطي هو ملك للأجيال القادمة التي ربما كانت أكثر حكمة من الأجيال الحالية، ويكون استهتاراً وانعداماً للمسؤولية أن يمس الاحتياطي في هذه الأحوال، وفي الوقت نفسه يتم تجزئة المشكلة وتقسيطها على فترات زمنية معقولة، ويتم استيعابها بطريقة مريحة، ذلك أنه حتى لو افترضنا أن الدولة تكفلت بسد العجز مرة واحدة؛ فإن ضخ مبالغ كبيرة من المال إلى السوق مرة واحدة من شأنه أن يحدث تضخماً هائلاً يفوق ضرره أي فائدة تجنى منه.

هذا هو الاقتراح، والكاتب يطرحه للمناقشة ولا يدعي أنه الحل الوحيد، ولكنه برأي الكاتب، ورأي بعض الخبراء المطلعين على خفايا السوق، والمتمتعين كذلك بفضيلة العلام والثقافة مع الخبرة الحل المعقول والممكن، به أقل ضرر، وربما يؤدي تبنيه إلى عودة العقل إلى معاملات كبار المتداولين بحيث يضربون مثلاً على التراضي والقناعة وتصفية أمورهم بأنفسهم بدل أن يثقلوا على شركة المقاصة بأحمالهم التي ينوء بها كتف الإنسان العادي، وحتى يتركوا شركة المقاصة تعالج مشكلات الناس العاديين والصغار الذين وضعوا مدخراتهم في المغامرات المناخية، فلما أقبل الصباح وجدوا الجعبة خالية!

ولا شك أن شركة المقاصة إذا تبنت هذا الاقتراح بسند من الدولة ستقوم بدفع الشيكات التي لا تتجاوز حداً معيناً نقداً، وتدفع الباقي على شكل السندات المقترحة وذلك مراعاة للصغار.

ولكن الحذر كل الحذر أن تترك الأزمة معلقة، فلقد انشلَّت الحياة الاقتصادية للبلاد شللاً فاق حدود التصور.

وحتى الناس الذين لا علاقة لهم بالموضوع تأثروا بالوضع، وتوقفت أعمالهم ونشاطاتهم، وهذا من شأنه أن يكلِّف الاقتصاد الوطني خسارة أكبر بكثير من الخسائر المترتبة في سوق الأوراق المالية.

Comments are closed.