تطلُب دول العالم من كل من يدخل أراضيها معلومات عامة تتعلق بإقامته وعنوانه، وذلك لكونه غريباً عنها، أما بالنسبة للمواطنين فمعظم دول العالم المتحضر تكتفي بختم جواز المواطن أو بطاقته الشخصية، إذ إن الأمر يتعلق بمواطن عائد إلى بلده؛ ولهذا لا يوجد سبب يدعو سلطات البلد إلى الطلب من مواطنيها كلما عادوا إلى بلادهم من عطلة أو عمل أو سفر لأي سبب من الأسباب، أن يملؤوا استمارات طويلة تذكّرهم باستمارات التعداد العام للسكان، وربما رأت سلطات الأمن لحكمة خاصة بها أن تطلب هذا النوع من المعاملات من الأجانب الوافدين على البلاد، ولكنها بالتأكيد ليست على حق في طلب معلومات تفصيلية من المواطنين، بمجرد عودتهم إلى بلادهم، إذ يكفي حصر عددهم في الدخول والخروج.
ولقد كانت استمارة الدخول الكويتية تشتمل على بيانات مطولة لا داعي لها، وهذه الاستمارات تذهب عادة إلى سلة المهملات بعد تعبئتها من القادمين وختمها من قبل الموظف المسؤول، الذي يأخذ الاستمارة ثم ينقل ما بها من بيانات إلى دفتر خاص بيده.
وبعد إنشاء مجلس التعاون الخليجي، حصلت تطورات مذهلة من النواحي الشكلية لإثبات وحدة الدول الخليجية، آخرها إعلان خاص بكل مطار خليجي لتوجيه مواطني هذه الدول إلى ممرات خاصة بهم عند سلطات الجوازات، ومنذ اتخاذ هذه الخطوة الوحدوية؛ فإن كل مسافر خليجي أصبح يخضع الآن لنظرات الشك والريبة من الموظفين الخليجيين، وللتدقيق من وراء حواجز مغلقة – في غير الكويت – وللمزيد من التأخير.
وثم تتويج هذه الخطوة الوحدوية الرائعة بخطوة أخرى بدأ تطبيقها أخيراً، فالاستمارة الكويتية القديمة التي كان الناس يشكون منها، ثم استبدالها إلى استمارة جديدة، خليجية هذه المرة، بها من البيانات المطلوب تعبئتها من المواطن أو الوافد؛ ما يجعل استمارة الدخول إلى الاتحاد السوفييتي من الاستمارات السهلة البسيطة!
فالمطلوب عنوان المواطن القادم وصندوق بريده، وتلفونه في البيت والعمل، بالإضافة إلى البيانات الأخرى التي كانت تحتويها الاستمارة السابقة، ولم يبقَ إلا أن يطلب منه فصيلة الدم، وأين سيقضى أوقات الفراغ، وكم وجبة طعام سيتناول في اليوم!
ولا شك أن البيانات التي تحتويها هذه الاستمارة الخليجية، ربما تطلبها بعض الدول الخليجية لأغراض الأمن والمباحث السياسية وغير ذلك من الأساليب غير الديمقراطية، ولكن ما سبب طلب هذه المعلومات الخاصة في الكويت ومن الكويتيين العائدين إلى بلادهم؟ ولا شك أن هذه الاستمارات تم وضعها من قبل موظفين متمرسين في الروتين وفي تنغيص حياة الناس، ولم يدُر في خلدهم أن للناس هنا حقوقاً دستورية تكفل وتصون المعلومات الخاصة بهم إلا إذا انحرفوا عن الجادة التي يحددها القانون.. ويذكر الكاتب أنه دارت ذات يوم مناقشة في مجلس الوزراء حول رغبة إحدى الجهات الحكومية في استعمال البيانات التي تجمعها إدارة الإحصاء المركزية من خلال التعداد، ووقف وزير الدولة للشؤون القانونية يومها ليوضح عدم إمكانية ذلك؛ لأنه يعتبر خرقاً للقانون الذي صان المعلومات الفردية من أي استخدام لها إلا من قبل صاحبها.
وهذه التعديات المتكررة على حريات الناس قد تبدو صغيرة وروتينية ولكنها خطرة؛ لأنها تتم دون سند قانوني، وتزيد من تدخل الدولة في الأمور الخاصة بالناس، بحيث لا يبقى للفرد أي خاصية، ويجب اختبار مدى قانونية هذه الإجراءات في المحكمة الإدارية التي وجدت لمثل هذه الأغراض، ولمنع التعديات اليومية المستمرة من أجهزة الدولة على حريات المواطنين وسلوكهم الشخصي.
كما أن من المحزن أن نلاحظ أن طول استمارات الدخول والخروج للمسافرين تتناسب تناسباً عكسياً مع تطور وتقدم الدول، فكلما كانت الدولة متقدمة في حياتها وتعاملها مع مواطنيها والوافدين إليها؛ كانت الاستمارة شكلية وقصيرة، وتطول الاستمارة كلما ازداد تخلف البلاد.
اللهم اكفنا شر التخلف وقنا منه!