February 10, 1983

قرأنا في الصحف قبل أيام أن مكتب مقاطعة “إسرائيل” قد حظر عرض فيلم “وكالة البلح”؛ لأن قصة الفيلم مقتبسة عن رواية للكاتب المصري المعروف نجيب محفوظ، وتذكرنا جميعاً أن نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وعبدالعظيم رمضان، قد وُضعوا في قائمة المحظور التعامل معهم من الكتَّاب المصريين الذين كان لهم موقف خاص من مفاوضات السلام بين مصر و”إسرائيل”.

والسؤال المطروح الآن هو: لماذا يستمر هذا العبث الصبياني من قبل موظفي مكتب مقاطعة “إسرائيل”؟ ألا يعلمون أن الزمن قد تخطى مقررات قمة بغداد التي تمت فيها مقاطعة مصر، وأن أبطال تلك المقررات هم الذين يتعاملون مع مصر الآن، وأن البحث جار في الأوساط العربية كلها لتسهيل عودة مصر دون أن يعني ذلك تخليها عن الخط الذي سارت به في اتفاقيات “كامب ديفيد”؟ فلماذا يريد مكتب مقاطعة “إسرائيل” أن يكون ملكياً أكثر من الملك نفسه؟

بل إن النداءات المتكررة الآن والنابعة من العرب الذين قاطعوا مصر في السابق، لتوضح بصورة قاطعة أن الفراغ الذي تركته مصر لم يستطع أحد أن يملأه.

الكاتب من الذين لا يؤمنون بسلاح المقاطعة الاقتصادية؛ لأنه سلاح فاشل أثبتت التجارب عدم فاعليته سواء كان مقاطعة أمريكا لكوبا، أو مقاطعة بريطانيا لروديسيا، أو مقاطعة الدول الأفريقية لجنوب أفريقيا، أو مقاطعة الغرب للشرق، أو مقاطعة العرب لـ”إسرائيل”.. هذه كلها تجارب ومحاولات فاشلة أدت في معظم الأحيان إلى تجميع الصفوف وإطلاق العنان للقدرات الخلاقة في الدول المقاطَعة، ولم تؤدِّ مقاطعة العرب لـ”إسرائيل” إلى إضعافها أو إضعاف الشركات التي قوطعت بسبب تعاملها معها، ولكن لا يوجد أحد يجرؤ على تقييم تلك التجربة وتقرير نجاحها أو فشلها، فهذه حسب التعبير الإنجليزي تعتبر من “البقر المقدس” الذي لا يمس!

أما المقاطعة الفكرية التي يرمز إليها حظر نشر أعمال الكتَّاب المصريين المشار اليهم؛ وذلك لأنهم تبنوا موفقاً وأبدوا آراء لا يوافق عليها غالبية الناس؛ فإنه يعكس مدى التخلف والانحطاط الفكري الذي وصلنا إليه، وكأننا غير واثقين من عدالة قضيتنا، ولهذا فإننا لا نريد سماع آراء لا تتفق مع توجهاتنا مائة في المائة.

أما ما هو موقفنا بعد ذلك بفترة قليلة حين نجد أن تلك الآراء التي اعتبرناها كفراً قبل سنوات قد أصبحت الآن أكثر من مقبولة من غالبية الحكومات العربية؛ فيحدده تصرفاتنا الغبية حين نكون كالنعام الذي يدفن رأسه في الرمال.

ذلك أن مكتب مقاطعة “إسرائيل” سيستمر في إصدار قراراته العنترية التي تحجر على أفكار الناس إلى أن يصله إشعار خطي من الجهة المسؤولة عنه تفيد برفع أسماء الكتَّاب المصريين من قائمة المحظورين، وإذا لم يصل هذا الإشعار فسوف يستمر الحظر حتى لو عادت العلاقات الدبلوماسية مع مصر، ونحن دائمو السخرية من الروتين في مصر وغيرها من البلاد العربية! متناسين أن نفس الروتين موجود عندنا.

يجب على مكتب مقاطعة “إسرائيل” أن يلاحظ أن الجو قد تغير وصار إيجابياً باتجاه مصر وما تمثله مصر، وأن الظروف قد انعكست الآن بحيث صارت “إسرائيل” هي التي ترفض التفاوض معنا وليس العكس، وأن هذا التغير الموضوعي يتطلب من مكتب مقاطعة “إسرائيل” أن يتجاوب معه، لئلا يكون مثل الذي يسير عكس اتجاه الريح، ولئلا تسبب هذه التصرفات الصغيرة مزيداً من الجروح التي تكاد الآن تلتئم وليست بحاجة إلى من ينكأها مرة أخرى.

Comments are closed.