الشعوب الناضجة هي تلك التي بلغت ثقتها بنفسها أنها لا تخشى من إطلاق النكات على أحوالها وأوضاعها، بل أنها تستمتع بالضحك على نفسها حتى ولو كان من نوع الضحك المؤلم.
وهذا المشهد هو الذي يراه المرء حين حضور مسرحية “فرسان المناخ”.
ولدى تفحص وجوه المتفرجين، يتضح أن من بينهم عدداً كبيراً من أولئك الفرسان جاؤوا ليروا بأعينهم كيف تبدو صورتهم أمام الناس بعد سقوط المناخ.
ويلفت النظر كذلك إلى أن الممثل الرئيس السيد عبدالحسين عبدالرضا لديه تجربه شخصية مريرة في السوق؛ مما يعطي لتمثيله مصداقية عميقة، فهو لم يكن يمثل، وإنما كان يعكس الواقع.
والذين تفرجوا على المسرحية رأوا كيف انجرف الناس في حركة هستيرية جماعية.
المهم هو أن التمثيلية تتطور، فالذين شاهدوها في أيامها الأولى ثم عادوا إلى مشاهدتها مرة أخرى يقولون: إنها اختلفت كثيراً وتطورت إلى الأحسن، ولا شك أن ذلك يعود إلى التفاعل المستمر بين الممثلين والجمهور، وإلى العفوية الأصيلة التي يتمتع بها عبدالحسين عبدالرضا، وإبراهيم الصلال، وغانم الصالح، ومحمد السريع، وغيرهم من الفنانين.
ويجب أن يقال في حق هؤلاء أنهم ارتفعوا بالمسرح الكويتي إلى درجات عالية من الإتقان، وانتقلوا به إلى مصاف الترفيه الممزوج بالنقد الاجتماعي؛ بحيث يخرج المشاهد متأثراً ولو بطريقة غير مباشرة بالأحداث الحية التي يراها أمام عينيه في المسرح.
ومسرح جمعية المعلمين جاء في وقت حساس للغاية كمنقذ للحركة المسرحية في الكويت.
والحق أن الإنسان يستغرب كيف لا يوجد في الكويت مسارح معقولة الحجم منتشرة في البلاد تلبي الرغبة الشعبية الواضحة للمسرح، وما يطرحه من قضايا الساعة، وما يقدمه من الترفيه الاجتماعي المعقول، والسبب كما يبدو أن الحركة المسرحية أصبحت يتيمة بلا رابح، ولهذا لا يتبنى أحد مطالبها المتواضعة ببناء ثلاثة أو أربعة مسارح بحجم مسرح جمعية المعلمين، وتكون موزعة على أنحاء البلاد.
ربما وبعد انقشاع أزمة المناخ وعودة الناس إلى الاهتمام بالأمور العادية في حياتهم، ربما يعود بنا الزمن إلى فترة أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات حين كان الاهتمام بالمسرح كبيراً، وحين كان حمد الرجيب يحارب من أجله بقوة ونشاط، فيتم اعتماد مبالغ بسيطة لبناء عدد من المسارح الصغيرة لسد حاجات الناس الحضارية، فالناس لا يعيشون بالخبز فقط، وإنما هم بحاجة إلى غذاء فكري وإلى ترفيه اجتماعي، وإلا أصابهم الضجر والملل؛ وانعكس هذا على تصرفاتهم اليومية في أعمالهم.