September 23, 1982

كيف تبدو صورة الوضع الاقتصادي الكويتية من الخارج؟ إذ لا شك أن انشغال المسؤولين والناس داخل البلاد في إيجاد حل للأزمة التي تكاد تخنق النشاط الاقتصادي في الدولة ربما يكون قد صرف أنظارهم وانتباههم عن ردود الفعل في البنوك والمؤسسات المالية والاستثمارية التي دأبت على التعامل مع الكويت، وكانت تصنف هذا التعامل بتصنيف أكثر من ممتاز.

وكان دافعها إلى ذلك متانة الوضع المالي للبلاد، وسيادة القانون في معاملات الناس مع بعضهم بعضاً ومع الدول ومع الأجانب، وهذه النقطة الأخيرة تعتبر من أهم النقاط التي تدخل في التقييم وتكوين الرأي وإصدار الأحكام، فسيادة القانون في الكويت هي التي ميزتها في نظر المؤسسات الأجنبية عن غيرها في دول المنطقة تمييزاً واضحاً، وكان للثقة التي سادت تعامل الناس مع بعضهم دور كبير في رسم صورة خاصة للكويت والكويتيين.

والآن.. هذه الصورة زالت، على الأقل بالنسبة للتعامل مع القطاع الخاص، وربما بقي للاعتبارات الشخصية والمعرفة المباشرة تأثير في تعامل مؤسسات المال والاستثمار مع القطاع الخاص الكويتي، إلا أن النظرة العامة أصبحت الآن نظرة يشوبها الحذر والتردد وعلامات الاستفهام.

والذي يثير دهشة هذه الأوساط هو سرعة انهيار السوق وفي مدى أيام قليلة؛ مما يعكس الوضع الهلامي الذي كانت تعيش فيه، كما أنه مما يزيد الدهشة لدى هذه الأوساط هو أن الأمر كان متوقعاً من الجميع، ومع ذلك فلم تكن هناك خطط احتياطية من قبل الدولة لمواجهته، وإنما ترك الأمر للمتطوعين والهواة والمتعاملين أنفسهم، ولقد أعاد هذا الوضع إلى الأذهان موقف المحللين والمعلقين الاقتصاديين الذين طالما كانوا موضع السخرية والتندر من عدد كبير من المتعاملين في السوق، وموضع تهجم وتهكم من الجهلاء الذين ينقصهم التعليم فلم يستطيعوا إخفاء ارتباكهم أمام المتعلمين إلا عن طريق التهجم على ذوي الاختصاص، واتهام النظريات الاقتصادية بأنها بعيدة عن الواقع ولا تنطبق على أوضاعنا، إلى آخر ذلك من الكلام الفارغ الذي ثبت الآن فشله وخطورته، فالنظريات لا تأتي من فراغ، وتصرفات الناس لا تحددها الجنسيات، والذي حصل في أسواق المال العالمية في عصر الفوضى انطبق بحذافيره على سوق المال في الكويت، وربما كان في هذا الدرس القاسي عظمة وعبرة تعيد للمختصين الاقتصاديين والمحللين والباحثين احترامهم بين رجال الأعمال في الكويت، وتعيد للدراسات وأبحاث الجدوى الاقتصادية مكانتها الطبيعية في القرارات الاستثمارية والتصرفات المالية.

كما أنه مما زاد في دهشة الأوساط المالية غياب القيادة والقرارات الاقتصادية الحاسمة لمواجهة الأزمة حينما بدأت ملامحها في أوائل شهر أغسطس الماضي، لقد كان الوضع بالنسبة لبعض المسؤولين يشبه وضع “بوطبيلة” (المسحراتي) حين يأخذ إجازته في شهر رمضان! إذ كان على الحكومة أن تتخذ وقتها إجراءات احترازية لتجميد الأوضاع وإيقاف التدهور حتى يتم وضع العلاج اللازم، وأقل الإجراءات كان الحَجْر على أموال وممتلكات المتداولين الذين توقفوا عن دفع الشيكات المستحقة عليهم، وإبطال أي معاملات تكون قد تمت من قبلهم بالتصرف في الأموال والممتلكات مع أقاربهم وأصحابهم في فترة الشهور القليلة التي سبقت توقفهم عن الدفع.. وبالمناسبة؛ فإن القانون الإنجليزي يعاقب بالحبس الطويل كل من يكون طرفاً في التصرف الذي يسبق إفلاس شخص أو مؤسسة بفترة ستة أشهر، ويكون هذا التصرف بقصد الاستفادة الشخصية على حساب بقية الدائنين.

والوضع الآن بالنسبة للأوساط والمؤسسات الأجنبية محير ومثير في الوقت نفسه، فالسؤال الذي يطرحه هو: إذا كان القانون الكويتي لم يستطع حماية الكويتيين أنفسهم من امتناع بعضهم عن دفع المستحق عليهم من الأموال؛ فكيف سيحمي هذا القانون الأجانب والمؤسسات الأجنبية؟ هذا سؤال لا بد من الإجابة الواضحة والصريحة عنه، لا يستطيع أحد الإجابة عنه سوى الدولة، حامية القانون ومنفذته، وإلى أن تتم الإجابة الشافية على ذلك؛ فإن معاملة الكويتيين من قبل هذه الأوساط ستزداد حذراً وتحفظاً، كما أن تعامل الكويتيين أنفسهم مع بعضهم قد يتطلب وسيلة جديدة غير دفتر الشيكات، حيث يكاد يصبح الامتناع عن الدفع عادة جديدة لا يطالها القانون.

وتزداد دهشة الأوساط المالية الأجنبية حين يكتشفون أن لجنة الأوراق المالية الموجودة حالياً في الكويت لم تكن سلطتها تشمل التداول في الأسهم الخليجية والأجنبية، أو الأسهم العائدة للشركات المقفلة التي تم تداولها في الأشهر القليلة الماضية.

وبعد.. هكذا تبدو الصورة من الخارج، وربما يراها ويشعر بها المتواجد حالياً في الخارج بوضوح أكثر من المنغمس في المشكلة من الداخل، وهي وإن أثرت في أول الأمر على القطاع الخاص وحده، فإن أثرها سيمتد ليشمل الحكومة وسمعة البلاد الاقتصادية.

والأمر الآن بيد الحكومة.. والحكومة وحدها.. ويجب وضع حد لاجتهادات الهواة والمتطوعين وأصحاب المصالح، وإفساح المجال أمام القانون ليستعيد احترامه ويأخذ مجراه الطبيعي.

Comments are closed.