January 3, 1983

في سبتمبر 1982م كانت الحكومة قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الحد المعقول الذي يتضح الآن أكثر أنه أهدر عبثاً، وهو إرجاع قيمة الشيكات إلى سعر البيع الأصلي مضافاً إليه نسبة 20% سنوياً، وفي ذلك الوقت كانت أسعار الأصول والموجودات وهي الأسهم الكويتية والخليجية وأسعار العقار في مستوى معقول بالمقارنة مع ما وصلت إليه الآن من تدهور.

وكان اتجاه الحكومة هو نحو ذلك الحل الذي يحجّم المشكلة ويعود بها إلى وضع معقول، وحتى ذلك التحجيم كان سيقود – بلا شك – إلى إفلاس عدد من كبار المتعاملين الذين طفح الكيل بمعاملاتهم.

ونظرة إلى الوضع آنذاك، توضح أن أسعار الموجودات والثقة التي كانت لا تزال سائدة – حينذاك – كانا كفيلين بالنهوض بالسوق؛ مما يساعد على فك الأزمة بالنسبة لغالبية الناس، ويذكر الجميع أن الناس حينها كانوا مستعدين لقبول تعويضات عن شيكاتهم على شكل أسهم، وكان مجرد التهديد باللجوء إلى المخفر كافياً لقيام الكثيرين بالاتصال بدائنيهم للتفاهم معهم.

وحدث أمر ستكشفه الأوراق الرسمية فيما بعد أدى إلى وأد تلك الفكرة، وحل محلها الوعيد والتهديد والتلويح بالعقاب وبالعصا، وسكت الجميع باعتبار أن إدارة الأزمة قد انتقلت إلى أيادٍ مختصة؛ فماذا كانت النتيجة؟ أوقف المرسوم الخاص بالأسهم مبدأ الملاحقة القضائية؛ مما أتاح لذوي الذمم الخربة أن يستظلوا بمظلته، ويتوقفوا عن دفع التزاماتهم رغم قدرتهم على ذلك، وفقد الشيك هيبته.

امتدت يد الحكومة إلى الاحتياطي لاستعماله في تمويل من أسمتهم بصغار المستثمرين الذين غرر بهم، ويتضح يوماً بعد يوم أنه لم يكن هناك تغرير بأحد، وإنما أصيب الجميع بلوثة جنون عمت البلاد قاصيها ودانيها، صغيرها وكبيرها!

ومعنى ذلك أن احتياطي البلاد استخدم لمكافأة من غامروا وقامروا، أما صغار المستثمرين الذين لم يدخلوا السوق فكافأتهم الحكومة بأن تركت أسهمهم وممتلكاتهم تنحدر في قيمتها مع كل تصريح يصدر عن الجهات المختصة.

وصدر القانون الأعرج الخاص بصغار المستثمرين، واكتشف هؤلاء أن الطريقة الوحيدة للحصول على ما وُعدوا به التعجيل بإفلاس، فليست هناك مصلحة للصغار في تأجيل إفلاس الكبار، بل العكس هو الصحيح، ثم بدأ الناس في التساؤل عن مصير الآخرين وهم الذين يشكلون 85% من حجم المشكلة، فقيل لهم: يجب أن تتوصلوا بأنفسكم إلى الحل فيما بينكم، واحتار القوم فترة، ثم لجؤوا إلى نقابتهم.. إلى غرفة التجارة والصناعة التي مزجت الليل بالنهار وجاءت بحل معقول ولو أنه مفرط في التفاؤل – حسب اعتقاد الكاتب – ومع ذلك فقد استقبلته السوق بترحاب واستبشار، وتحركت أسعار الأسهم نحو الصعود خاصة بعد أن صدر بيان من الحكومة يبارك ذلك الحل.

ومع ذلك، فقد تطورت الأمور بعدها من خلال البيانات والتصريحات الرسمية، فاختفت منها الإشارة إلى مقترحات الغرفة، وسرعان ما عاد الوجوم يسود السوق وخيم الصمت والجمود مرة أخرى على حركة التعامل، ثم تم تتويج كل ذلك ببيان شركة المقاصة الذي دعا أصحاب الشيكات المودعة لدى الشركة منذ سبتمبر 1982م إلى تسلم شيكاتهم اعتباراً من 2 يناير 1983م لإجراء تسويات فيما بينهم.. “وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا!”.

في كل هذا التسلسل ومنذ سبتمبر 1982م هناك خط واضح ومستمر؛ وهو عدم السماح للسوق باسترداد أنفاسها ومزج الحل بالعقاب مع التركيز على العقاب كأولوية تسبق الحل.

أما تكاليف ذلك بالنسبة للاقتصاد الوطني وفي وقت شحت فيه الموارد وقلت المداخيل فلا يبدو أنها مطروحة للمناقشة، وبالنسبة لتكاليف توقف الحياة الاقتصادية وشللها خلال أربعة أشهر فعلم ذلك وحسابه عند الله، ولكن الجميع يشعرون بالأمر من صاحب الدكان الذي لا يبيع إلى المقاول الذي لا يقبض دفعاته إلى الموظف الذي اختفى الحلم من مخيلته، وأصبح يعيش في كابوس رهن عمله الإضافي، وحتى منزله هذا بالنسبة للصغار، أما تأثير كل ذلك على الدخل القومي المتكون من قيمة السلع والخدمات فسوف يظهر حين تصفى حسابات عام 1982م، وحين تتضح مدى الخسارة المترتبة على توقف أي قرار استثماري منذ صيف 1982م، وعلى توقف ضخ الأموال وتدويرها في عجلة الاقتصاد، فالمال الذي تم ضخه في شراء الأسهم الكويتية خبَّأه أصحابه حتى تنجلي الأمور ولم يجوروه حتى يخلق مالاً جديداً.

وللذكرى؛ فإن الحلول التي طرحت في ذلك الوقت – ومن بينها ما طرحه الكاتب – كانت تحذر من اللجوء إلى الاحتياطي، وتقترح بدلاً من ذلك إيجاد الجسر التمويلي لسد عجز المعسرين بتمويل متوسط وطويل المدى وبفائدة تجارية عادية، وكان هذا سيعود على الدولة بفائدة على المدى الطويل مثل ما حدث في إنجلترا وفي الولايات المتحدة وغيرهما من البلاد التي واجهت أزمات مماثلة، والذي حدث هو عكس ذلك؛ إذ إن الحكومة ضخت بضع مئات من ملايين الدنانير لشراء أسهم الشركات الكويتية، والكل يعرف أن التداول في أسهم الشركات الكويتية لم يكن سبب الأزمة، وأن شراء أسهمها أو قبول الأسهم للرهن لا يؤثر على وضع المتعاملين الذين تأثروا بأزمة السوق، فالسوق هنا هي سوق المناخ وليست سوق الأوراق المالية الرسمية، وحصيلة كل ذلك هو ما يزيد على بليون دينار حتى الآن، ولم يبدأ بعد حل الأزمة، ولا يلوح في الأفق أي حل لها سوى المزيد من المماطلة، وما حدث منذ سبتمبر 1982م هو فقدان شيء ثمين وعزيز على قلب كل كويتي ألا وهو السمعة المالية للكويتيين، فالشر يعم كما يعرف الجميع والخير يخص، والجهات الخارجية لا تفرِّق بين كويتي وآخر، ولقد جاء هذا نتيجة الحلول الجزئية المتقطعة التي لا يعرف أحد ما تهدف إليه في النهاية.

إلا أن استخدام أموال الاحتياطي في معالجة الأزمة يدخل الآن ضمن بند تبديد أموال الثروة النفطية الذي يسود منطقة الشرق الأوسط من خلال الحروب والأزمات الاقتصادية.

Comments are closed.