September 22, 1983

إلى كل مسلم حيران تتجاذبه الصراعات والأفكار التي تفرضها حياة القرن العشرين، إلى كل مسلم يتفطر قلبه حزناً على أحوال دينه، واشمئزازاً مما وصل إليه تعطيل العقل في مناقشة شؤون الدين، إلى كل مسلم يجد نفسه تائهاً بين التحديات التي تفرضها عليه يومياً الحياة الحديثة وتطور العالم المتقدم تقنياً، وبين ما يراه من خزعبلات يرفضها العقل في الطقوس الدينية لدى عامة الناس ومعظم علماء الدين.. إلى كل هؤلاء.. يقدم حسين أحمد أمين كتابه “دليل المسلم الحزين إلى مقتضى السلوك في القرن العشرين”، ولا غرابة في هذا، فقد أنجب الدكتور أحمد أمين، المؤرخ الإسلامي والعالم الكبير، خير خلف لخير سلف، وبرز أبناؤه الذين تربوا في بيئة دينية عقلانية، كل في ميدانه، وجاء حسين بعد تقاعده من العمل الدبلوماسي لينذر نفسه للعمل على صحوة المسلمين، والإجابة عن التساؤلات التي يزخر بها العقل المسلم، ولكنه لا يجرؤ على طرحها أمام الملأ، إما لعدم وجود من لديه استعداد للإجابة عنها، أو عدم توافر الجو الحر الذي تتم فيه مثل هذه المناقشات، وتضع حداً للحيرة المستمرة التي يعاني منها العقل المفكر، والتي غالباً ما تقوده إلى الهجرة الذهنية عن الدين بحيث يطرده من التأثير في حياته اليومية، فلا يعود له شأن به، أو لوجود إجابة عنها تزيد من غموضها ولا تقدم الحل والتفسير المنطقي، وإنما تردد الكلام الذي يبهر العامة ولكنه لا يقنع الخاصة، وشيئاً فشيئاً ينحسر تأثير الدين على النخبة المثقفة من أبناء هذه الأمة؛ فيقودها هذا إلى الضياع وإلى فقدان الهوية، وازدواج الشخصية والمعيشة على هامش الحياة، وتكتفي منه بموقف المتفرج، أو في أحسن الحالات موقف المحايد.

والكاتب المذكور يمثل تحدياً للعقل وصقلاً للتفكير وهو يحوي الكثير من الأفكار المثيرة التي تثري النقاش، وليس بالضرورة أن كل ما أورده حسين أحمد أمين في كتابه هو أمر متفق عليه، فهناك العديد من الآراء التي يطرحها والتي قد لا يتفق معه فيها الكثيرون، ولكن المهم في هذا الكتاب هو أنه يطرح أفكار مؤلفه بجرأة افتقدها الإسلام منذ عصر العلماء والدعاة الأوائل الذين لم يتركوا أمراً ولا فكراً ولا تساؤلاً إلا وطرحوه للبحث والتمحيص والمناقشة، وهو يعود بالإسلام إلى أصوله نافضاً عنها كل ما أضافته الصراعات السياسية والنزعات العصبية والتأثيرات التي فرضتها حضارات الأمم التي غلبها الإسلام، فاعتنقته ثم أدخلت عليه بالتدريج الكثير من معتقداتها وطقوسها بعد أن صبغتها بما أسمته صبغة إسلامية.

والتحديات التي يطرحها حسين أحمد أمين في كتابه يجب أن تناقش بنفس العقل والمنطق، وإن كان الكاتب يعتقد أن كتاب “دليل المسلم الحزين” سيمنع من دخول معظم البلاد العربية والإسلامية، إن لم يكن قد تم منعه بالفعل، ولكن هذا لا يضير.. فالكتب الممنوعة ييسر لها المنع أن تنتشر أكثر مما لو لم تمنع، ولهذا فإن المطلوب من المثقفين الغيورين على دينهم، والجزعين مما آل إليه وضع الإسلام في قالبه الرسمي؛ أن يتخذوا من هذا الكتاب مدخلاً للمناقشة العقلانية.. ذلك أن التجريد الذي يضفيه حسين أحمد أمين على الأصول الدينية خالعاً عنها كل الشوائب التي ألمَّت بها منذ غابر الأزمان يجعله من تلاميذ مدرسة المصلحين الذين مروا في فترات تاريخية متعاقبة بدءاً بأحمد بن حنبل، وابن تيمية، ومروراً بمحمد بن عبد الوهاب، وانتهاء بالشيخ محمد عبده.

ولا يريد الكاتب أن يعلق على محتويات الكتاب هنا، ولكنه يريد لفت النظر إليه لمن فاتهم أن يقرؤوا عنه في كتابات الأستاذ أحمد بهاء الدين.

Comments are closed.