التحرك المحدود الذي بدأه مجلس الأمة والتجاوب المحدود كذلك من قبل الحكومة حول موضوع الجنسية الكويتية هو بداية الطريق وأول خطوة في رحلة الألف ميل.
وموضوع الجنسية الكويتية هو أخطر موضوع يواجه البلاد.
وهذه الحقيقة كانت ولا تزال هي الأساس في كل السياسات التي خططت أو التي تخطط للبلاد.
ولم يكن التجنيس في أي بلد في العالم موضوعاً شعبياً يكسب من يتبناه ود الناس أو تأييدهم.
وفي الكويت يشغل هذا الموضوع حيزاً كبيراً مخفياً في شعور الناس وإدراكهم، ربما لأن التركيب السكاني في البلاد يعكس وضعاً غريباً لا يشبه إلا وضع أثينا في العصور الغابرة.. والحديث عن الجنسية يثير في الناس مشاعر الخوف من المجهول، وتجدهم – مع إقرارهم بوجاهة المناقشات والرأي الذي يدعو إلى التوسع في التجنيس – يعودون إلى الغرائز الأساسية، ويتغلب الخوف والعصبية على مواجهة التحدي المطلوب لعلاج هذه المشكلة.
والحقيقة التي لا مهرب منها هي: أن متطلبات إدارة دولة حديثة وغنية في الوقت نفسه تحتم وجود حد أدنى من المواطنين في تلك الدولة، بالإضافة إلى وجود أعداد أخرى من الوافدين والمقيمين من غير المواطنين، وأن متطلبات إدارة المرافق والخدمات التي تقدمها الدولة التي أصبح المجتمع يعتبرها من الأمور الأساسية التي لا تناقش، ومتطلبات الأمن والدفاع عن كيان البلاد واستقلالها وحماية ثرواتها، تفرض وجود هذا الحد الأدنى المطلوب، وأن واقع البلاد هو أن عدد مواطنيها لا يكفي لتأدية هذا الدور الأساسي لضمان سلامة البلاد واستمراريتها، وأن منطلق الدعوة إلى زيادة عدد الكويتيين بالتجنيس هو منطلق كويتي بحت قائم على مصلحة الكويت فقط، ولا علاقة له بالقومية العربية.
هذا هو المنطلق الأول والأخير الذي يجب أن يتحكم في سياسة التجنيس، وليس هناك منطلق آخر.. صحيح أنه توجد اعتبارات إنسانية خاصة، وتوجد اعتبارات مصلحية خاصة تكافئ بها الدولة من قدَّم لها خدمات جليلة من غير المواطنين، ولكن هذه كلها إضافات لا تغيِّر كثيراً من المنطلق الأساسي الذي يجب أن يحكم التجنيس؛ وهو أن البلاد بحاجة إلى زيادة أعداد مواطنيها زيادة ملحوظة، وأن الوسائل التي اتبعت حتى الآن لتحقيق هذه الزيادة لا تكفي.
ومن هذه الوسائل كما هو معروف تجنيس البادية وتشجيع الزواج وزيادة علاوات الأبناء وجعلها تصاعدية، كما أن انتشار وتحسن الخدمات الصحية زاد من عدد المواليد وخفض من الوفيات، ولكن هذا كله لا يكفي، والاقتراح بتجنيس 1000 شخص سنوياً يلمس المشكلة من قشورها، ولكنه على كل حال بداية صحيحة، ومن المستحيل بالطبع اللجوء إلى التجنيس بشكل دراماتيكي مرة واحدة، ولكن من المهم الإقرار بضرورة التجنيس، والانطلاق بعد ذلك لتقنينه بطريقة أكثر مرونة وتفهماً.
وقبل التجنيس، هناك عدد من الأمور المعلقة التي لا بد من حسمها؛ وهي:
1- موضوع التفرقة بين الكويتي بالتأسيس، والكويتي بالتجنيس، وهذا من الأمور التي تحدث غصة في الحلق، ويجب إزالتها من نصوص القانون، وعلى كل فقد بقي عليها حوالي 4 سنوات وتزول، وحينها سيضاف إلى قائمة الناخبين حوالي 50 ألف كويتي آخر لا يتمتعون الآن بحق الانتخاب!
2- موضوع الذين كان يُطلق عليهم “بدون جنسية” وزالت الآن هذه الصفة عنهم، ولكن زوال الصفة لم يغير الحقيقة، وهي أنهم فعلاً بدون جنسية، وإذا أرادت البلاد أن تُخرجهم من حدودها.. فإلى أين؟
3- موضوع الذين تقدموا بطلباتهم إلى وزارة الداخلية واحتفظت الوزارة بملفات عنهم، باعتبارهم من طالبي الجنسية.
4- موضوع زوجة الكويتي، وضرورة حصولها على الجنسية كحق مكتسب، وليس كقرار اختياري يجوز منحه ومنعه.
5- موضوع زوج الكويتية وضرورة التفكير في منحه حق الحصول على الجنسية الكويتية كقرار اختياري، وذلك إلى أن يأتي الوقت الذي تتساوى فيه حقوق المرأة الكويتية مع الرجل الكويتي، فينطبق عليها ما ينطبق عليه، ويكون لزوجها غير الكويتي حق الحصول على الجنسية، شأنه في ذلك شأن زوجة الكويتي، غير الكويتية.
هذه كلها حالات معلقة تتطلب مصلحة البلاد البت فيها، وعدم تركها في خانة المعلقات، التي تترك للزمن أو للنسيان، فإذا تمت معالجة المعلقات جاء دور الأساسيات، والأساسيات تعني وضع سياسة سكانية ثابتة تأخذ باعتبارها الحاجة الإستراتيجية الواضحة لزيادة عدد الكويتيين قبل فوات الأوان، ويوجد في الكويت معين لا ينضب، يمكن أن نغرف منه لتطعيم الجسم الكويتي، وسنجد أن هذا المعين يتمتع بصفات وعادات كويتية، وأن أفراده يعتبرون الكويت وطنهم – وهذه هي أول عناصر الولاء الوطني – وسنجد أن التكلفة محسوبة كذلك؛ لأن معظم المرشحين للجنسية الكويتية موجودون في الكويت أصلاً، ويشكلون جزءاً من الاقتصاد الكويتي، وأكثرهم ولد وتربى وعاش وتعلم وعمل في الكويت، وهم بذلك مشمولون بما يُقدَّم من خدمات وما يقام من مرافق.
والمهم هو توعية الناس في موضوع التجنيس، وإزالة التعصب الطبيعي الموجود لدى كل البشر تجاه تجنيس الغرباء وإدخالهم في المجتمع المحلي؛ لأن الأمر في الكويت يتعلق بمستقبل البلاد وقدرتها على مواجهة ما قد ينشأ من أخطار خارجية تهدد استقلالها وكيانها، خاصة وأنها ستستمر غنية مرغوباً فيها، في الوقت الذي ستقل فيه ثروة جيرانها.
ورحلة الألف ميل لا بد وأن تبدأ بخطوة، ولقد خطت الحكومة وخطى مجلس الأمة، ونأمل أن يستحثوا الخطى، ويستمروا في هذا الدرب الصحيح.