استغرقت دراسة اللجنة التشريعية لمشروع القانون المقدَّم من الحكومة حوالي شهرين، واستمعت اللجنة خلال دراستها إلى مختلف وجهات النظر، وأقرت بشكل عام ما جاء به مشروع القانون، ولقد كان واضحاً أن المشروع جاء بعد دراسة دقيقة من قبل الجهات القانونية المختصة في الدولة، وأن المقترحات التي شملها انبثقت من مراقبة تجربة تطبيق القانون (59/ 82) الذي بدأ في علاج مشكلة السوق.
ومعظم ملاحظات اللجنة التشريعية لا تمس جوهر المشروع إلا في بندين رئيسين؛ وهما موضوع استثمار أموال المؤسسة التي ستقوم برعاية وإدارة أموال المفلسين على أسس إسلامية، وموضوع عدم موافقة اللجنة على تحديد تاريخ تنتهي به آجال الشيكات.
وبالنسبة للنقطة الأولى؛ فإن رد الحكومة جاء واضحاً؛ وهو أن المقصود ألا تبقى الأموال المستحقة للدائنين في المؤسسة وقتاً أطول من اللازم، ومعروف أن الاستثمار على الطريقة الإسلامية يعني الاستثمار في مشروعات وبدون احتساب فوائد، وهو استثمار يعتبر بطبيعته استثماراً طويل المدى، ومردوده يستغرق وقتاً طويلاً، بينما الهدف من المؤسسة وقيامها هو سرعة توزيع أموال وموجودات المفلسين على دائنيهم.
أما بالنسبة للنقطة الثانية؛ أي عدم تحديد تاريخ معين تنتهي عنده آجال الشيكات، فإن ذلك يعود بنا إلى “الشداخة” القانونية التي وجدت بها البلاد نفسها منذ بداية الأزمة في سبتمبر 1982م، و”الشداخة” هي الكماشة التي منعت إجراء التقاصص بين الدائنين والمدينين؛ وذلك لاختلاف تواريخ الشيكات؛ إذ إن المبدأ القانوني هو أنه لا تجوز المقاصة إلا بالنسبة للمطالبات التي تنتهي بتاريخ مشترك، وقد أوضحت الحكومة ذلك في ردها على ملاحظات اللجنة وقالت: إن عدم تحديد تاريخ تنتهي به آجال الشيكات يقوض القانون المقترح من أساسه، ويجعله عديم الفائدة؛ إذ إنه إذا لم تجر المقاصة فإن ذلك يؤدي إلى إفلاس الكثيرين، ونعود إلى وضع الذي يعجن في الماء ولا يستطيع الإمساك بشيء، وتعود البلاد إلى الدوامة التي كانت فيها وحبست أنفاسها فترة بانتظار هذا القانون.
المراقبون المتمرسون في القضايا الاقتصادية احتاروا في بداية الأمر في طريقة علاج الأزمة بالأسلوب الكويتي، فالدول الأخرى التي واجهت أزمات مماثلة احتوتها في مهدها، ولم تتركها تسري سريان السم في الجسم، ولكنهم أقروا بأن العلاج الكويتي هو ديمقراطي ولا بد من التضحية بالوقت إلى أن يأتي العلاج مقبولاً من الغالبية إن لم يكن مقبولاً من الجميع.
إلا أن العلاج المقترح من الحكومة الذي كان سينهي الأزمة مرة واحدة أصبح الآن مهدداً برأي اللجنة التشريعية الجديد الذي رفض تحديد تاريخ ذلك، وقد أوضحه مندوبو الحكومة في مناقشاتهم معها، ومع ذلك تمسكت برأيها.
والمطلوب الآن من الحكومة أن تدافع عن رأيها بحرارة وحماس واقتناع، وأن تبذل جهدها لكسب تأييد باقي النواب إلى صفها، وأن يتواجد ممثلوها في هذه القضية في مجلس الأمة أثناء مناقشة تقرير اللجنة التشريعية لشرح أسباب الخلاف وتقديم الحجة والدفاع المعقول.
وفي هذه الأثناء تستمر الأسعار في الانخفاض سواء أسعار الأسهم أو أسعار الموجودات بانتظار الفرج.
وكل ما يرجوه المراقبون هو ألا تتحول القضية إلى لعبة سياسية فيها شد حبل بين الحكومة والمجلس، فالأمر أهم وأخطر من أن يتطور بهذا الشكل، والبلاد يجب أن تتخلص من هذا المرض الخبيث حتى تلتفت إلى مواجهة القضايا الأهم التي تلوح في الأفق، والكوارث البيئية والاقتصادية التي تداهمها بين الآونة والأخرى.
والواضح الآن أن إقرار القانون بشكله الأساسي سيعتمد اعتماداً كبيراً على أسلوب إدارة دفة المناقشة، وقدرة مندوبي الحكومة على إقناع المجلس برأي الحكومة.. وفقهم الله.