“وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”..
وربما تكون للذكرى منفعة في تذكير الساسة بما التزموا به في يوم من الأيام ليس بالبعيد.
فلقد انعقد ذات يوم مؤتمر للقمة العربية، كان هدفه اقتصادياً بحتاً، وعقد الاجتماع في عمان، ويومها قاطع المؤتمر عدد من الدول العربية الأعضاء بحجة لا يذكرها الكاتب، ربما لأنها لم تكن حجة أصلاً، وإنما كانت من باب العناد.
ولقد عالج ذلك المؤتمر قضايا التنمية في الوطن العربي، وأقر عقد التنمية العربي، وكوَّن صندوقاً خاصاً لمساعدة الدول العربية الأكثر فقراً (وقد تغيبت إحداها عن الاجتماع)، وخاصة في بناء الهياكل الأساسية التي تساعد على الاستثمار، ويلاحظ الكثيرون اختفاء الكلام عن ذلك الصندوق منذ إنشائه وكأنه وُلد ميتاً.
ولكن من أهم ما أقره المؤتمر، ووقَّع عليه الأقطاب الذين حضروا الاجتماع؛ مبدأ المواطنية الاقتصادية المشتركة للعرب؛ بحيث يستطيع المواطن العربي نقل أمواله وأملاكه وموجوداته في الدول العربية التي أقرت ذلك المبدأ، ويستطيع أن يتملك ويساهم ويبيع ويشترى.
والواقع العربي يقول: إن ذلك أصبح الآن من باب الأحلام صعبة المنال، وإن تطبيقه يدخل في عالم الخيال، ولكن هناك خطوات عملية يمكن اتخاذها في منطقة الخليج العربي وفي الكويت بالذات، من شأنها أن تسير بنا نحو هذا الهدف السامي، وفي الوقت نفسه نحقق منها مصلحة ذاتية.
ومن هذه الخطوات؛ السماح لمواطني الدول العربية بتملك الأسهم في الشركات الكويتية – مع تحديد نسبة لا يجوز تخطيها في الملكية من باب الاحتياط – وهذا مبدأ سبق وأن طرحه الكاتب، وطالب به منذ زمن طويل، ولم يخرج به عن الفكر السائد في الوسط التجاري الكويتي، فغرفة التجارة والصناعة في الكويت طالبت وتطالب بالسماح للعرب بتملك الأسهم الكويتية؛ الأمر الذي يعني أنه لا يوجد محظور اقتصادي أو تجاري يمنع ذلك، وإذا كان هذا الافتراض صحيحاً؛ فمعنى عدم السماح لعرب حتى الآن بتملك أسهم كويتية أنه يوجد محظور سياسي! ولقد عجز فكر الكاتب عن فهم ماهية أي محظور سياسي في هذا الصدد! ويتمنى لو تطوع أحد فشرح له ذلك.
ولقد أفاضت الغرفة في إيضاح مزايا السماح للمواطنين العرب بتملك الأسهم، وهم بالمناسبة يقومون بتملكها وشرائها بأسماء أصحابهم من الكويتيين، وبذلك لا يتحملون مسؤولية عملهم بأنفسهم وبطريقة مباشرة، ونخص بالذكر المواطنين العرب الذين يقيمون في هذا البلد منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ منها في كل شيء سواء نمط الحياة أو أسلوب التفكير أو اللهجة أو العادات.
وبمناسبة الحديث عن السماح للشركات الخليجية بدخول البورصة الرسمية بعد استيفائها للشروط التي سبق أن وضعها مجلس الوزراء؛ فإن من الضروري لفت النظر إلى شرط يكاد يتصف بالعنصرية، ويمكن أن يطعن حتى في دستوريته، وهو الشرط الذي ينص على عدم جواز إدخال الشركة إلى البورصة إذا كان بعض أسهمها مملوكاً لمواطنين عرب من غير دول مجلس التعاون الخليجي.
إلى هذا الحد وصلت التفرقة بين الناس، ومع ذلك فنحن – كدولة – طرف في الموافقة على المواطنية الاقتصادية العربية الموحدة!
والغريب أن الشركات الخليجية التي يساهم بها مواطنون عرب غير خليجيين يسمح نظامها ونظام الدول المسجلة فيها وهي دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين بمساهمة مواطنين عرب غير خليجيين فيها، إلا أن شروط إدخال الشركات الخليجية إلى البورصة الكويتية والتي أقرها مجلس الوزراء عام 1981م تطلب إزالة هذا البند، وأن تتخلص الشركة الخليجية من مساهميها العرب غير الخليجيين قبل أن يسمح بدخولها إلى بورصة الكويت العربية، ولعل هذا هو سر عدم دخول مجموعة الشارقة (وهي أول شركة خليجية أنشئت خارج الكويت) إلى البورصة الكويتية حتى الآن، وهو كذلك سر إدخال مادة نشاز على عقود الشركات الخليجية التي أنشئت بعد صدور ذلك القرار، فقصرت امتلاك الأسهم على مواطنين خليجيين فقط.
وهذا الاتجاه هو نموذج لما أشار إليه الكاتب في موضوع “انحسار القومية العربية”، الذي يؤدي إلى طمس معالم العروبة وإبراز المعالم الإقليمية الخاصة بكل إقليم وبكل بلد؛ إذ لا يوجد أي سبب آخر يبرر هذا التصرف.
فرأس المال الكويتي هو أكبر رأسمال خاص في العالم العربي، ولديه من الخبرة والمراس وتحمل الشدائد واقتحام المخاطر ما ليس لغيره؛ ولهذا فهو قادر على استيعاب أي رأسمال آخر في المنطقة العربية، والدليل على ذلك هو أن مساهمات المواطنين العرب في الشركات الخليجية لم تزد في يوم من الأيام على 5% إلى 10% على أحسن حال.
ثم.. أين الخطر في مساهمة العرب في رؤوس أموال شركات عربية تحكمها قوانين ولوائح انضباطية في محيط اقتصادي وتجاري متطور وفي بلد عربي تتصدر العروبة مواد دستوره؟ إن الكويت وهي ترسم لنفسها صورة المركز المالي العربي، مطلوب منها معالجة هذه البديهيات وإزالة الشوائب القانونية العالقة التي تعكس أوضاعاً كانت سائدة في الخمسينيات، حيث كان رأس المال الكويتي الخاص يحبو.. وعوده طري.. وهي أوضاع دخلت في سياق التاريخ الاقتصادي لدولة الكويت، وأصبح من الواجب الآن التخلص منها والتشريع لما هو أحسن ولما يعكس الواقع الجديد المتوثب.
وبما أن تداول الأوراق المالية هو الأن موضوع بحث لدى أجهزة الدولة المختلفة؛ فلقد آن الأوان لمواجهة الحقيقة الجديدة، وهي أن لجنة الأوراق المالية يجب أن تشمل مظلتها جميع أنواع الأسهم؛ كويتية، خليجية، عربية، دولية، دون تفرقة أو تمييز، وبغض النظر عن أصل وفصل وجنسية حامل السهم ما دامت الشركة تمسك أوراقاً مضبوطة وميزانياتها مصادق عليها من قبل محاسبين معروفين.
وحتى لا تتناقض التشريعات الكويتية مع التصريحات والالتزامات الكويتية؛ فإن علينا أن نتذكر أن الكويت قد أقرت بمبدأ المواطنية الاقتصادية العربية الموحدة ووقَّعت عليه.