إذا كنت في كل الأمور معاتبـــــــــــــاً صديقــــــــك لم تلــــــــــــــق الـــــــــــــــذي لا تعاتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
فعش واحــــــــــداً أو صِلْ أخـــــــــــــاك فإنـــــــــه مقـــــــــــــــــــارف ذنب مــــــــــــــــــــــــــرة ومجانبـــــــــــــــــــــــــــه
أذكر هذه الأبيات الشعرية منذ أيام الدراسة، وقد كان من الصعب قبول معانيها في تلك الأيام مع عنفوان المراهقة وغليان العشرينيات.
ولكن مع تقدم الأيام يأتي التفهم ويسود الحلم محل الغضب، ويحل العفو محل الانتقام، ويرى المرء أمور الحياة بمنظار السماحة، وهكذا النضج والحكمة لا يمكن أن يأتيا إلا مع الزمن، ومن الطبيعي أن يكون هناك عباقرة يتحلون بصفات الكهولة وهم في مقبل الحياة، ولكن السواد الأعظم من بني البشر يمرون بمراحل اكتساب تلك الصفات؛ ولهذا فإن تمتعهم بها بعد شعورهم باكتسابها يكون لذيذاً.
وربما ذهب البعض إلى اعتبار صفة التسامح دليل ضعف، وفي رأيهم أن العنف ضروري في الأحوال الحرجة التي لا بد فيها من اتخاذ قرارات حاسمة قد تؤذي البعض أو قد تكون بمثابة العمل الواقي، وفي رأيهم أن الوقاية العنيفة خير من العلاج فيما بعد، مستنيرين بقول الشاعر:
إذا لم تكن ذئبــــــاً علــــــــــــــى الأرض أطلســـــــاً كثيـــــــــــــــر الأذى بالت عليــــــــــــك الثعـــــــــالب
أيهما أفضل للوصول إلى الانسجام الذاتي مع النفس؟ ليس هناك رأي محدد، ولكن التجربة خير برهان، فكل إنسان خلقه الله بتركيبة خاصة به؛ ولهذا فإن تصرفاته وردود فعله لا تشكل قاعدة يُحتذى بها، ولكنني أعتقد أن انفجار الغضب أسهل على المرء من التحكم الذي يصحب السماحة، وهكذا الفرق بين الإنسان والحيوان، فالتحكم في الأعصاب صفة إنسانية أصيلة لا تستوي الحياة بدونها.