جاء مشروع القانون الذي ستقترحه الحكومة على مجلس الأمة بمثابة التتويج للبحث المستمر والإصرار الدؤوب لحل مشكلة السوق، ووضعها بعد ذلك فوق الرف، وبعد استخلاص العظات والعبر منها.
وميزة هذا الحل هو في اعترافه بأن الإجراءات العادية في القانون التجاري إنما وضعت لمواجهة ظروف عادية، ونحن الآن نمر في ظروف غير عادية.
وبمجرد الاعتراف بهذا المنطلق نجد أن عناصر المشروع المقترح تطورت منه بتسلسل منطقي، فتعديل إجراءات التفليس يقود بدوره إلى إنشاء صندوق يضم موجودات المفلسين، وهذا يؤدي كذلك إلى إمكانية تقييم دينار المفلسين؛ الأمر الذي يقود بعدئذ إلى إمكانيات الصلح الواقي والتنازل المتبادل بين المتعاملين وإجراء المقاصة بينهم.
ويمكن أن يقول البعض: إن هذا الحل كان يجب الوصول إليه في بداية الأزمة حتى تتفادى البلاد الوصول إلى درجة الشلل التي تجد فيها نفسها، ولكن الرد على هذا هو أنه كان مستحيلاً تطبيق هذا الحل في بداية الأزمة، وفي مجتمع ديمقراطي مفتوح؛ أي أن هذا الحل لم يتم التوصل إليه تدريجياً، فلقد تم طرق حلول شبيهة منذ سبتمبر 1982م.
إلا أن إمكانية تطبيق أو فرض مثل تلك الحلول في ذلك والوقت كان سيسبب أزمة سياسية لا يعرف أحد مداها.
ولهذا تركت الأمور تسير مثلما سارت، وأدلى الجميع بدلوهم، وتتالت الاقتراحات يميناً وشمالاً، وبعضها كان على شكل إعلان مدفوع الثمن إلى أن اختمرت العجينة، وهذه هي روعة وعظمة الديمقراطية.. صحيح أن الأمر قد كلف أكثر، وكان يمكن تجنيب البلاد وكثير من الناس خسارات كبيرة، ولكن ما أرخصه من ثمن في سبيل المحافظة على الديمقراطية والتوصل إلى الحلول التي إن لم تحظ بحماس الغالبية الساحقة من الناس فإنها على الأقل تحظى بعدم معارضتهم، وتتم بعد عرضها ومناقشتها في وضح النهار، وبعد بذل جهود جبارة من السلطة وعلى رأسها سمو رئيس مجلس الوزراء وأعضاء اللجنة الاقتصادية المنبثقة عن مجلس الوزراء، وبعد إجراء المشاورات المسبقة مع مجلس الأمة.
وهذا المقترح من الحكومة هو بلا شك الحل الذي يرضي مختلف الأطراف التي حرصت على احترام القانون والوفاء بالعهود، فهو لم يؤدِّ إلى أي تخفيض في قيمة الشيك، ويرجو الكاتب أن يكون ما ذهبت إليه الحكومة ممكناً أي عدم تخفيض قيمة الشيك.
كما أن الحل يقر بعدالة وجهة نظر المشرفين على الإفلاس من أن تحميلهم الآن حقوقاً عليهم تستحق بعد سنة أو أكثر، فيه شيء من الإجحاف؛ ولهذا أجل تسويات جميع المعاملات الأخرى عام 1983م مع عدم الإخلال بضرورة دفع المستحقات التي حلت قبل ذلك التاريخ، ومع سريان فائدة محددة على التأخير الذي حصل، وبالنسبة للمعسرين أتاح لهم فرصة الحصول على جزء من مستحقاتهم على المفلسين، وذلك حتى يتفادوا هم الوصول إلى مرحلة الإفلاس ويقوموا بسداد التزاماتهم للغير.
والآن مطلوب من الجميع التكاتف والتعاون من أجل إنجاح هذا الحل، وقيل: تفاءلوا بالخير تجدوه، والتفاؤل بطبيعته يوجد ويخلق جواً متفائلاً آخر.
ويذكر الكاتب حدثاً طريفاً في لندن؛ إذ عادت المسز تاتشر مرة من إحدى الرحلات، وكانت إلى دول الخليج، ونزلت من سلم الطائرة والابتسامة مشرقة على وجهها، ويومها اشتعلت سوق الأسهم، وكتبت “الفايننشال تايمز” لقرائها تعتذر عن تنبؤاتها المتشائمة، وأنه غاب عن ذهنها أن ابتسامة المسز تاتشر ستقلب موازين السوق.
ونحن نعيش الآن في زمن توترت فيه الأعصاب، وأصبح للمعلومات أو الشائعات أثر كبير على تصرفات الناس، والكاتب يعتقد أنه آن الأوان للتفاؤل وزوال الكآبة، والسعي الجاد لاستعادة البلاد لنشاطها وسمعتها المالية القائمة على حسن الإدارة.
فهذه الأزمة الملعونة شغلت أذهان الناس وأفكارهم منذ يوليو الماضي، ويأتي الحل المقترح الآن من الحكومة ليضع حداً نهائياً وفاصلاً لها كي يعود الناس إلى ممارسة أدوارهم العادية، وتعود الحكومة إلى مواجهة مسؤولياتها الأكثر أهمية في ميدان الطاقة، وميدان تطور الحرب الدائرة على الأبواب، وموضوع مصير الشرق الأوسط كله، ونمو الإمبراطورية “الإسرائيلية” الجديدة.
قال امرؤ القيس قبل 1500 سنة:
وليــــــل كمـــــــوج البحـــــــــر أرخـــــى سدولـــــــــه علــــــــــي بأنــــــــــــواع الهمــــــــــــــــوم ليبتـــــــــلي
فقــــــــلت له لمـــــــــــــا تمطـــــــى بصلبـــــــــــــــــه واردف إعجــــــــــــــــــازاً ونـــــــــــــــــاء بكلكـــــــــــل
ألا أيها الليـــــــــــــل الطويـــــــــــــــــــــــــل ألا انجلي يصبــــــــح ومـــــــــــــــا الإصبـــــــاح منك بأمثـــــــــــــل