April 1, 1982

في السنوات السبع الماضية كان هناك حظر شبه رسمي على إنشاء الشركات الاستثمارية والعقارية المقفلة منها والمفتوحة، وتسبب ذلك – كما هو معروف – في اتجاه رأس المال الكويتي إلى إنشاء الشركات التي يُحتاج إليها في دول الخليج العربي، وفي مختلف التخصصات، وقد أصبحت هذه الشركات حقيقة واقعة، وامتد نشاطها ليشمل البنوك والتأمين والعقار والصناعة والزراعة ومختلف أنواع الاستثمار.

وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على صواب الرأي الذي كان سائداً في أوساط الحكومة، في أن البلد مكتفٍ بما فيه من شركات ومؤسسات مالية واستثمارية وغيرها.

ولقد توصلت وزارة التجارة والصناعة إلى الحل الذي بُدئ في تطبيقه؛ وهو توسيع تعريف الشركات المقفلة، بحيث يصبح عدد المساهمين فيها بالألوف، وأصبحت في واقع الأمر شركات مساهمة عامة، ولكن بدون مرسوم أميري يقنن وضعها هذا.

وكان من جراء السماح بإنشاء عدد من الشركات الاستثمارية والعقارية وغيرها من التخصصات أن قفزت أسعار أسهم التأسيس فيها إلى أضعاف ما هو مدفوع من قيمة السهم، وسبب ذلك واضح للعيان؛ وهو أن الناس كانت تشتري الرخصة وتدفع سعراً عالياً وإضافياً لقاء تلك الرخصة النادرة، وأن هذا الوضع يزول تلقائياً إذا عرف الجمهور أن الرخصة لم تعد نادرة، وأن بإمكان من يرى في نفسه القدرة والكفاءة أن يتقدم لوزارة التجارة والصناعة بطلب رخصة، وأن هذه الرخصة تمنح حالاً ودون تردد أو تعطيل، حينها تعود الأسعار إلى وضعها الطبيعي، فلا يصبح سعر السهم المدفوع منه ربع دينار يساوي أكثر من دينار بين ليلة وضحاها، وإنما ربما يصبح سعره بثلاثمائة فلس مثلاً، أو بزيادة قليلة على ذلك، وهذه هي عظمة النظام الحر في الاقتصاد؛ الأسعار يحددها العرض والطلب، فإذا تلاشى العرض؛ ارتفع الطلب، والعكس صحيح.

وإذا توافر هذا الشرط لم تظهر عقبات جديدة أمام إنشاء شركات، يصبح الحكم النهائي على مثل هذه الشركات أمراً تتدخل فيه عوامل منطقية أخرى؛ منها: نوع الإدارة المسيِّرة للشركة، نوع المشروعات التي تقوم بها الشركة، توزيع المخاطر التي تحويها السلة الاستثمارية للشركة، علاقة الشركة الخارجية والداخلية وقدرتها عل اقتناص الفرص والاستفادة منها، وغير ذلك من العوامل الطبيعية، التي تشكل حصيلتها؛ ما يمكن اعتباره الحكم النهائي من قبل جمهرة المتداولين والمتعاملين بالأسهم على الشركة، ويتمثل هذا الحكم في مستوى السعر الذي يصل إليه السهم.

ولقد أجازت وزارة التجارة والصناعة إنشاء شركات في تخصصات مختلفة في الاستثمار والعقار والزراعة والصناعة وعدد آخر من التخصصات الجديدة كالإذاعة والكمبيوتر.. ونحن نقول: اللهم زد وبارك، وبقي قطاعان مهمان لا يزالان يعتبران من الأمور المقدسة التي لا يجوز التطرق إليها؛ وهما قطاعا البنوك والتأمين.

وفي رأيي أن الأوان قد آن للنظر جدياً في فتح المجال أمام المزيد من البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية المتخصصة، وشركات التأمين، فالاقتصاد الكويتي وما يتفرع عنه من نشاطات، ورأس المال الخاص وما يتمتع به من ديناميكية وتجديد، يحتاج إلى المزيد من هذه المؤسسات لخدمته، ولقد ظهرت على مسرح الحياة الاقتصادية الكويتية قوى اقتصادية جديدة لا بد لها من وجود المؤسسات المالية المتخصصة التي تخدمها.

والآن ما الدور المتوقع من الشركات الجديدة التي ظهرت أخيراً إلى حيز الوجود؟ هل يتوقع الناس منها أن تنضم إلى الحلقة المفرغة التي وجدت بعض الشركات نفسها فيها، بحيث أصبحت معتمدة على شراء أسهم شركات أخرى وبيعها والاتجار فيها متناسية الهدف الأساسي الذي من أجله أنشئت؟ أم هل ينتظر منها أن تنضم إلى النادي الخصوصي الذي يضم شركات الاستثمار الثلاث القديمة، أو الشركات العقارية الثلاث القديمة فقط وتقليد تلك الشركات بما تقوم به؟ أم هل ينتظر منها أن تدلي بدلوها، وتلقي برأسمالها في مطاردة النادر من البضائع (كما هو في المصطلحات الاقتصادية)، والنادر هنا هو الأراضي والعقار، فتُسبب ارتفاعاً جديداً في أسعار الأراضي يخرج بها عن إمكانات معظم الناس؟ ما هذا الدور المنتظر وخاصة من الشركات الاستثمارية التي يجيز لها نظامها الدخول في مختلف أنواع الاستثمار، وليس الاقتصار على نوع محدد واحد؟

هذه أسئلة تُطرح باستمرار في أوساط المتتبعين لتطورات الانفراج الذي حصل وأتاح إنشاء عدد لا بأس به من الشركات في الأشهر القليلة الماضية، وسيتبعه ظهور شركات جديدة حسب البرنامج الزمني الذي وضعته الوزارة.

الواضح الآن أنه لا بد أن تتجه هذه الشركات إلى بناء أجهزة فنية متخصصة تستطيع التعامل مع العالم الخارجي، وتمتزج خبرتها باللمسات المحلية المتوافرة لأصحاب الشركات أنفسهم، وهذا المزج سيوجِد توازناً بين الاستثمار طويل المدى وقصيره، وبين العمليات السريعة القائمة على المضاربة، والعمليات البطيئة المعتمدة على المشروعات المدروسة، وبعد ذلك فإن هذه الشركات لن تستطيع البقاء متقوقعة داخل الكويت ولا بد لها من الانطلاق إلى الخارج، وهذا هو قدر الكويت.. لا بد لها من استخدام واستثمار الفائض المالي المؤقت الموجود لديها بأفضل السبل المتاحة في أي مكان من العالم.

ولا بد لنا من طرح سؤال تنظيمي بعض الشيء يتعلق بكيفية التوجه إلى الخارج، وقد سبق طرحه عام 1974م؛ وأدى إلى قيام شركة المجموعة الاستثمارية العقارية الكويتية على شكل ائتلاف فيدرالي بين عدد من الشركات التي اتفقت على توحيد نشاطها في الخارج.

وهذا نموذج من النماذج الناجحة التي يمكن اللجوء إليها عن طريق إنشاء شركات جديدة تساهم بها الشركات الكويتية القائمة وتتخصص بالعمل في الخارج وتتوزع الأدوار فيما بينها جغرافياً ونوعياً.

ويوجد نموذج آخر قد يكون أسهل من النموذج سالف الذكر، وهو أن تتولى كل شركة بنفسها مهمة البحث عن المشروعات في الخارج، فإذا وجدت مبتغاها تحفظ لنفسها بنسبة مسيطرة في ملكية المشروع، وتعرض الباقي على زميلاتها من الشركات الأخرى، وبذلك يشترك الجميع في الفائدة وتتوزع المخاطر بينها، ولا يكون هناك مجال للاختلاف حول مسؤولية القيادة في المشروع، فصاحب الأغلبية هو المسيِّر، وهو صاحب القرار الفصل.

ومرة أخرى أؤكد ضرورة الانتباه لأمرين مهمين؛ أحدهما اغتنام الفرص للتوجه لمناطق النمو الكبير، ومنها منطقة جنوب شرق آسيا؛ حيث تتوافر المواد الأولية، والثروات الكبيرة، والسوق المتوازنة، والبلاد العربية التي ترحب بالاستثمار العربي وتسهل حركته.. وثانيهما الاتجاه إلى الصناعات المتقدمة في الآلات الحاسبة وعلوم الاتصال والفضاء، وأبحاث الطاقة الشمسية، فهذه صناعات المستقبل؛ حيث الضمان، وحيث الأرباح التي لم يحلم بها أحد من قبل، حين يقدَّر لهذه الصناعات أن تنشر بضاعتها على عامة الناس، وتتيح لهم استعمالها.

وبعد.. فإن رأس المال الكويتي بحاجة إلى المزيد من هذه الشركات، ولا داعي للتخوف أو التردد الذي بدأت تظهر معالمه من جديد، بسبب النزعة الانغلاقية لدى البعض، وعدم ثقتهم بالمستثمر الكويتي من ناحية، وبالنظام الاقتصادي الحر من ناحية ثانية، وسبب الحاجة الرئيس هو انتهاء عصر الأفراد، وظهور عصر المؤسسات والشركات التي تأخذ على عاتقها تجميع الأموال وإدارتها وتنميتها، مع ما يتطلب ذلك من وجود متخصصين، وعلاقات خارجية واستعداد لاقتحام العالم الخارجي وخدمة المستثمر الكويتي في الخارج مباشرة، وليس عن طريق وسطاء آخرين، وحبذا لو عدنا إلى قراءة الخطة الخمسية الأولى لدولة الكويت التي سبقت زمانها بخمسة عشر عاماً على الأقل لنقرأ فيها فصلاً متواضعاً بعنوان “قطاع المال والرجال”.

Comments are closed.